الإعلام بين الحرية وهيمنة الدولة | رجوع
يحتاج الإعلام الى الحرية لكي ينمو وينهض بحياتنا ويساهم في تفعيل الديموقراطية واستكمال بناء مؤسسات المجتمع المدني. وكان الإعلام العربي منذ نشأته يتبع أنظمة الحكم وجزءا لا يتجزأ من جهاز الامن والمخابرات. يعمل على تلميع الأنظمة الاستبدادية ويمنع ظهور الرأي المخالف. وأدى مجيء الثورة التكنولوجية الى ظهور اعلام غير حكومي. ويعتبر ظهور قناة الجزيرة مرحلة مهمة في تاريخ تطور الإعلام العربي. وشجع نجاحها على ظهور قنوات عربية مماثلة، ولعبت بعض الفضائيات العربية دورا مهما في فضح نماذج من الفساد والاستبداد، وكشفت تواطؤ بعض تلك الأنظمة مع المحتل الأجنبي. ونظرا لتأثير تلك الفضائيات القوي في الرأي العام بدأت محاولات تحجيمها. وانعقد اجتماعان لوزراء الإعلام العرب، الأول في 2008-2-12 والثاني في 2010-1-24 للتصدي للبرامج السياسية والحوارية للفضائيات، وشجع على طرح هذا المشروع تصويت مجلس النواب الاميركي على مشروع قرار يلزم الرئيس بوضع عقوبات على القنوات الفضائية في منطقة الشرق الأوسط التي تقدم برامج تحض على كراهية اميركا وتشجع الإرهاب. أي لإسكات مقاومة الاحتلال الأميركي والإسرائيلي. اذًا، هناك توجه واضح في المنطقة وبدعم غربي للتصدي للفضائيات المشاغبة، وقد تكون الكويت متأثرة بهذا المشروع. واستغلت الحكومة ردود الفعل الغاضبة من برنامج قناة السور. لإصدار مشروع تعديل على قوانين الإعلام وتقضي التعديلات التي قدمتها الحكومة بتغليظ العقوبات المالية والسجن والتوجه لوضع رقابة مسبقة، وبررت الحكومة تلك التعديلات لكي تستطيع ان تمارس حقها وواجبها تجاه حماية الوحدة الوطنية ومنع الفتن وحماية المصالح الوطنية العليا. ان من شجع الحكومة على تقديم تلك التعديلات هم اولئك النواب الذين تظاهروا احتجاجا على برنامج واحد بثته قناة فضائية خاصة، انتقد مقدم البرنامج اساليبهم ظنا منه انها اساليب خاطئة. لم يكن مقدم البرنامج ارهابيا ولا يحمل سلاحا، انه مجرد مواطن بسيط قدم رأيا، كان بإمكان من يعارضه وهم الأكثر عددا والأقوى نفوذا وسلطة، ان يردوا على آرائه بالرأي والحجج، والمجال الإعلامي مفتوح امامهم. ولكن أبت هذه الجماعة ان تتبع الطريق الديموقراطي السليم الذي يكفل حرية الرأي للجميع. فلجأوا الى لغة التهديد والوعيد، هددوا بقتل مقدم البرنامج وطالبوا باستقالة وزير الاعلام ليكون عبرة لمن يأتي من بعده من الوزراء. وطالبوا القضاء بسجن مقدم البرنامج. ان من يطالب وزير الإعلام بالاستقالة لعدم ايقاف قناة السور لا يؤمن بالديموقراطية، لانه يريد ان يعطي للوزير حقا لا يملكه في دولة ديموقراطية تعطي الحق للقضاء لا للوزير للحكم بين المتنازعين. لذلك ينبغي الا نوجه اللوم الى الحكومة وحدها ونتهمها بأنها تريد قمع الحريات وخنق الاعلام الحر، بل يجب ان نوجه اللوم الى انفسنا والى النواب والصحافة التي شجعت الحكومة على اصدار مثل تلك التشريعات. اننا اذا اردنا ان نحافظ على حرياتنا ومكاسبنا الديموقراطية ونهزم المشروع الذي سيقمع حريتنا الاعلامية، فيجب ان نحافظ على توازناتنا داخل المجتمع ونفهم الحرية بمفهومها السليم، ويجب ان ندرك انه كما نعطي لأنفسنا حق النقد يجب ان نتقبل النقد من الآخرين.
1/2/2010
|