كيف نستفيد من أزمة المباراة؟ | رجوع
وصلت القاهرة قبل ثلاثة ايام من المباراة، وفوجئت بالشوارع مليئة بالباعة الذين يبيعون الاعلام المصرية. كما كانت الشوارع مليئة بالسيارات التي تحمل شبابا وشابات يلوحون بالاعلام المصرية، ويجوبون شوارع القاهرة يهتفون هتافات حماسية لمصر. وكانت القنوات الفضائية تبث الاناشيد والاغاني الوطنية الحماسية التي صدرت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي كانت تبث عادة ايام الحرب. وكرست الفضائيات جل وقتها للتغطية الرياضية واثارة حماس الجماهير، واظهار فريق الكرة وكأنه رمز للعزة الوطنية. من الواضح ان الشحن والتعبئة الاعلامية لم يكونا عاديين، بل كانا موجهين. ويبدو كأنه كان بقيادة المخابرات ورجال الأمن. رجال الامن الذين كانوا يتصدون لتفريق التظاهرات التي كانت تخرج للتنديد بالعدوان الاسرائيلي، او ضد العدوان الاميركي على العراق لم يظهر لهم اثر. ونظرا إلى غياب الأمن حينما وصل الفريق الجزائري الى القاهرة، ويعتبرون ضيوفا على مصر، استقبلهم الجمهور المصري بالحجارة، ولم توفر الدولة امنا لحماية الضيوف، مما ادى الى كسر زجاج الحافلة التي كانت تقل اللاعبين وجُرِح بعضهم. ثم جاءت بعض الفضائيات المصرية بسائق الحافلة ليدلي بشهادة مزورة، اعلن فيها ان اللاعبين الجزائريين هم الذين كسروا الزجاج من الداخل وجرحوا بعضهم. ولكن لسوء حظ هذا الشاهد ان بعض اعضاء الاتحاد الدولي (الفيفا) كان يسير خلف الحافلة التي تحمل المنتخب الجزائري، وكان معهم ممثلون عن التلفزيون الفرنسي الذين شاهدوا الحادث وصوروه وكشفوا الحقيقة، فكان نتيجة ذلك ان أدان الاتحاد الدولي السلوك المصري. وأعلنت وزارة الصحة المصرية ان 31 من المشجعين الجزائريين اصيبوا بجروح. بعد ذلك توالت احداث مؤسفة في البلدين الشقيقين، خصوصا بعد نتيجة المباراة التي جرت في السودان. بعد ان تُرك الامر في الدولتين لقيادة اعلام هابط، عمد الى شتم العرب بألفاظ سوقية مبتذلة، كان يقوده في مصر جماعة كامب ديفيد، الذين برزوا مع معاهدة السلام مع اسرائيل وازدادوا سوءا بعد احتلال العراق. انه فريق شوفيني عنصري يتعصب لقوميته الفرعونية، وينظر الى الثقافة العربية نظرة دونية. يصفها بثقافة الصحراء والبداوة والندرة والعدم، في مقابل ثقافة النهر والوفرة والكرم. ومن المقالات التي كتبت لتعبر عن تلك الحالة «العرب المحتلون هم الذين دمروا الحضارة الفرعونية»، «فلتسقط العروبة»، «فضوها بقى كفانا عروبة»، «لماذا نتخلى عن فرعونيتنا بما فيها من شموخ وعلم وحضارة»، «لا عروبة بعد اليوم»، «لماذا نسمي شوارع وميادين بأسماء القتلة امثال صلاح الدين والمأمون». واعتبروا هزيمة فريق الكرة نفس هزيمة 67، واعتبروا اسرائيل والغرب احب اليهم من العرب والجزائر. وتناسى اصحاب هذه النظرة العنصرية ان العرب البائدة اسسوا حضارة راقية في جزيرة العرب قبل الحضارة الفرعونية، ونقلوا الزراعة الى ارض الرافدين ومصر، هذا ما تؤكده الحفريات الحديثة واشارت اليه الكتب السماوية كالتوراة والقرآن. وان الفرعونية سقطت في مصر قبل مجيء الاسلام بأكثر من ألف عام. ورد عليهم الفريق الشوفيني الجزائري المتعصب لانتمائه للغرب والكاره للعروبة والاسلام بلغة مضادة مماثلة. فشبهوا المصريين بالنساء ولا رجولة فيهم، وذكروهم بهزيمة 67، واعتبروا فوز المنتخب الجزائري حدثا تاريخيا شبيها بتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي. واستمرت الفتنة اكثر من اسبوعين، وشجع على استمرارها العدو المتربص بالمنطقة اميركا واسرائيل. وكان الشرفاء من المثقفين المهتمين بالشأن العربي يدركون ان هذه الفتنة لن تستمر طويلا، وان المنطقة ستعود الى رشدها ووعيها سريعا. لعلمهم ان امن المنطقة من الخليج الى المحيط كان واحدا طوال تاريخها قبل ظهور الاسلام بقرون. لذلك سرعان ما بدأت تظهر التهدئة، والحمد لله انها اتت من مصر ارض الكنانة عندما اكد رئيسها خلال لقاء شعبي في محافظة المنيا في 7 / 12، اي بعد اسبوعين من اثارة تلك الفتنة رفضه لوجود مشاكل بين مصر والجزائر الدولة العربية الشقيقة، وان عمق العلاقات بين الدولتين الشقيقتين يجب الا تهزه الاحداث العارضة. كما ادلى وزير مصر للشؤون القانونية الدكتور مفيد شهاب بتصريح نقلته وكالة انباء الشرق الاوسط في 7/ 12 اثناء مخاطبته اجتماعا للحزب الوطني الحاكم ان مشجعين مصريين كانوا وراء الاعتداء الذي تعرضت له حافلة كانت تقل لاعبي المنتخب الجزائري. ان اهم الافكار التي يجب غرسها بعد هذه الفتنة، ان العروبة شرف يجب ان يعتز به كل من ينتمي لهذه الامة، وان انتماء مصر ودول شمال افريقيا للعروبة نعمة من الله وعزة وقوة لهذه الامة.
12/15/2009
|