أوضعت الحرية للنائب ليعتدي على حقوق الدولة والآخرين؟! | رجوع
ما زلت أعتقد ان النائب د. فيصل المسلم كان مخطئا عندما اعلن في قاعة المجلس ان لديه صورة شيك صادر عن سمو رئيس الوزراء الى احد النواب مع احترامي لكل من يعارض هذا الرأي وللتكتلات السياسية التي ساندت النائب. لاعتقادي انه قد اتبع طرقا غير قانونية للحصول على وثيقة سرية يعد الافشاء بها جريمة يعاقب عليها القانون. كان الأجدر به اذا كان يتشكك في ذمة سمو الرئيس المالية ان يفصح للمجلس عن تلك المخاوف ويطالب بإجراء تحقيق لمساعدته في الكشف عن الحقائق بوسائل مشروعة. عندئذ يجب ان يسانده الجميع ولن يلومه احد اذا جاءت نتائج التحقيق عكس توقعاته. ولكن بكل اسف، اعتقد انه اتبع اسلوبا قريبا من الاسلوب المكيافيلي الذي يرى ان الغاية تبرر الوسيلة، فيجيز استخدام الوسائل المحرمة ليصل الى غايات تخدم مصلحته الخاصة حتى لو أضرت الآخرين.. ان النائب بذلك العمل قد تجسس واتى البيوت من ظهورها ومن دون استئذان ليحصل على وثائق سرية حرم القانون الاقتراب منها. ليشعر الجميع بانهم يعيشون في مجتمع منظم يحترم حقوق الافراد ولا يسمح لاحد مهما كانت قوته ونفوذه ان يطلع على اسرارهم الخاصة وحساباتهم المصرفية الا بحدود ينظمها القانون. يجب ان نحافظ على تلك القوانين، لان من دونها سنعيش في فوضى ولا يطمئن انسان ان يستثمر امواله في مصارفنا لانها ستكون معرضة للتجسس والابتزاز. إن تلك القوانين التي نطالب بالمحافظة عليها موجودة في كل دول العالم ومستمدة من ديننا، يقول تعالى: «..وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون» (البقرة: 189). ويقول «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم» (النور: 28). ويقول «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا..» (الحجرات: 12). ولعلنا نذكر قصة الخليفة عمر (رضي الله عنه) لما اعتقل شبابا وهم في حالة سُكْر وعربدة في مدينة الرسول وقريبون من مسجده، ولما اراد ان يحاكمهم في الصباح، قالوا له لقد أخطأت يا امير المؤمنين، لقد تجسست علينا والله نهى عن التجسس ودخلت البيت من ظهره، والله امر ان نأتي البيوت من ابوابها ودخلت من دون استئذان والله امر بالاستئذان. فاضطر عمر (رضي الله عنه) وهو الرجل القوي ورئيس اكبر دولة وقائد اقوى جيش امام هذه الحجج القوية ان يتراجع عن تطبيق العقوبة على هؤلاء الشباب رغم انه شاهدهم يرتكبون المحرمات. لاعتقاده انه ارتكب اخطاء اكبر من خطئهم، فما بني على باطل فهو باطل. وبذلك اعطانا دروسا توضح الطرق التي يجب ان تتعامل بها الدولة مع مواطنيها. فلا يجوز انتهاك حرمة البيوت ولا تتبع اسرار الناس الخاصة التي يحبون اخفاءها عن الآخرين. وهذا ما تتبعه دول العالم فلا تجيز لرجال الامن دخول البيوت او اعتقال الافراد الا بإذن من القضاء. ويستثنى من ذلك الدول البوليسية القمعية التي تطبق قانون الطوارئ لانتهاك حقوق المواطنين. من المعلوم ان المادة 110 من الدستور اعطت النائب حرية مطلقة من دون ان تقرن هذه الحرية بتنظيم او تقييد. فهل يعني هذا انها تعطي العضو الحق في انتهاك المحرمات والاعتداء على حقوق الآخرين ولا يوجد قانون يحاسبه عما يرتكب من اخطاء في حق الدولة او الافراد؟ ام انها وضعت ثقة بضمير النائب انه لن يستخدمها الا في الحدود المشروعة. قد يرى البعض انه لا توجد حرية مطلقة، فجميع الحريات نسبية حتى لو اقرت النصوص الدستورية بغير ذلك، لان عدم التقييد سيؤدي الى فوضى وتضارب المصالح. ورأى آخرون ان عدم التقييد حكمة ارتآها المشرع ليعطي النائب قوة للافصاح عن آرائه بشجاعة، والرأي السائد ان البرلمان وحده هو من يملك الحق في تنظيم الحريات. ويحتج من يؤيد المسلم ويدعي انه لم يرتكب خطأ لان كثيرا من الفضائح اكتشفتها الصحافة وادت الى سقوط رؤساء دول، ويضربون مثلا على ذلك بفضيحة ووتر غيت، وتناسوا ان تلك الفصيحة تمثل جريمة فدرالية، لان الرئيس وضع اجهزة تنصت على حزب آخر، والذي حكم بعزل الرئيس القضاء وليس البرلمان. اما بالنسبة الى الحالة التي نحن بصددها: هل باستطاعة النائب ان يثبت ان تلك الاموال قد دفعت رشوة ام مساعدة لاعمال خيرية، كما قال زميلك في التكتل النائب د. وليد الطبطبائي؟ ولا اعرف اذا كانت توجد نصوص قانونية تمنع رئيس الوزراء من ان يقدم مساعدات مالية من حسابه الخاص لمن يحتاج من النواب. ونأمل ان تكون لمصارفنا وقفة حازمة تجاه هذه الجريمة، واذا كانت القوانين المطبقة غير كافية لردع من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجريمة، فيجب تشديد العقوبات، خصوصا في حق البنك الذي سرب هذه المعلومات، فيجب وضعه في القائمة السوداء وعدم التعامل معه.
8/12/2009
|