أزمة الشيك والحصانة البرلمانية | رجوع
من سمح للنائب أن يتجسس على المواطنين، ويكشف عن حساباتهم السرية في البنوك؟ ثم يعلن في قاعة مجلس الأمة بكل شجاعة وافتخار بأن لديه صورة شيك صادر من سمو رئيس الوزراء، مدفوع لأحد النواب، واعتبر ذلك الشيك بمنزلة دليل يدين الرئيس ويستلزم استقالته ومعاقبته؟ إذ عده بمنزلة رشوة من الرئيس للنواب. وهكذا وصّله فكره إلى نتائج اعتبرها حتمية ومحسومة ليحكم على سمو الرئيس وزميله النائب بالتعاطي مع الرشوة. ويطالب الجميع بأن يتقبلوا استنتاجاته، ومن يعترض عليها فهو فاسد، ولا يريد الاصلاح. صحيح أن الدستور قد كفل للنائب الحصانة البرلمانية وأعطاه الحرية المطلقة لما يبديه من آراء وأفكار، سواء في المجلس أو لجانه، لتمكينه من أداء دوره في الرقابة والتشريع بعيدا عن تأثيرات السلطة وتهديداتها. فهو لا يساءل عن آرائه وأقواله حتى لو كانت تمثل جريمة يعاقب عليها الإنسان العادي إذا بدرت منه. جميل جدا أن يتضمن دستورنا الصادر قبل نصف قرن تقريبا، مثل هذه المواد التي كان من شأنها أن تكسر حاجز الخوف من السلطة التنفيذية الذي ربما قد يكون موجودا لدى بعض الأعضاء قبل خمسين عاما، لتحمي الأعضاء وتشجعهم على قول كلمة الحق والمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، وترفع الحجة والأعذار عن كل عضو ضعيف يمتنع او يتردد في استخدام حقه الدستوري، ليحاسب السلطة التنفيذية عن أخطائها أو يجاملها، لا شك في أن مثل هذه المواد قد قوت السلطة التشريعية وساهمت في تطويرها وأبرزت دورها الرقابي والتشريعي وقدرتها على الاصلاح ومواجهة الفساد. ولكن كنا نتمنى أن يدرك النواب وفي مقدمتهم النائب الفاضل د. فيصل المسلم الذي يعلم أني أكن له كل تقدير واحترام، أن المشرع الكويتي لما ضمّن الدستور الكويتي مثل هذه المواد الرائعة كان على يقين أن النواب سيستخدمونها بالطريق السليم المستقيم، ويبتعدون عن الطرق الملتوية الجائرة التي تجعلهم يقعون في المحظور، ويخطئون في حق الدولة أو يتعدون على حقوق الافراد، متسترين بالحصانة البرلمانية. وعلى الرغم من أن بعض النواب أساء في استخدام بعض مواد الدستور وانحرف بها عن الطريق الذي وضعت من أجله، إلا أن غالبية الشعب الكويتي متمسك بتلك المواد، ولا يريد استبدالها بمواد تقيد من حرية النائب. بل يطالب بمزيد من الحريات. في ضوء هذا التصور، اعتقد من وجهة نظري المتواضعة أن النائب الفاضل قد أخطأ في تصرفه من وجوه عدة، فهو اولا اخطأ في حق نظامنا المصرفي، كما أنه أخطا في حق سمو رئيس الوزراء عندما تجسس على حساباته الخاصة، وأخرج منها شيكات وادعى أنها دفعت رشوة لبعض النواب. فهو بهذا اتهم سمو رئيس الوزراء بأنه دفع رشوة واتهم زميله النائب بأنه قَبِل الرشوة. انك تعرف اسم النائب الذي أخفيت اسمه، فهل تعتقد أن شخصية ذلك النائب تسمح له بقبول الرشوة؟ وعلى الرغم من هذه الأخطاء التي اعتقد ان النائب الفاضل قد ارتكبها والتي أظن انه يندر أن يكون لها مثيل في العالم، ومع ذلك أصدرت كثير من التكتلات السياسية بيانات تؤيده وتؤازره. كان من الأجدر أن تقف تلك التكتلات مع الحق والعدالة حتى لو كان بينها وبين سمو الرئيس خصومة. وليكن مثلنا الأعلى قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وان تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا». فالله يطالبنا بأن نتبع العدالة المطلقة في الحكم على الأمور والابتعاد عن الأهواء. ولكن ربما تكون تلك التكتلات ترى جوانب في تلك القضية أعجز أن أراها.
11/16/2009
|