إهمال التنمية ضياع للثروة الوطنية | رجوع
من الأمور التي ركزت عليها الحملة الوطنية للحفاظ على الثروة الوطنية وعدم تبديدها الاهتمام بالتنمية ومحاربة الفساد. فمن المستحيل الحفاظ على الثروة الوطنية مع تجاهل التنمية وتكاثر الفساد. وبما اننا لن نستطيع ان نحول الكويت الى بلد زراعي او صناعي، وهما من اهم المجالات التي تعتمد عليها التنمية المستقبلية. لذا كان من الضروري البحث عن مجال آخر من مجالات التنمية يتلاءم مع ظروف البيئة الكويتية ومناخها الاقتصادي. وكان مجال الاستثمار من افضل مجالات التنمية المناسبة لظروف الكويت. لذلك جاءت رغبة صاحب السمو بتحويل الكويت الى مركز مالي عالمي. ولكن كيف تتحول هذه الرغبة الى هدف واقعي ملموس؟ ولكي تتحول هذه الرغبة الى هدف يجب اولا معرفة ان كان للكويت امكانات تمكنها من ان تتحول الى مركز مالي عالمي. ثم البحث عن الوسائل التي يجب ان تتبع لتحويل هذه الرغبة الى هدف. لا شك ان الكويت لديها امكانات كبيرة تمكنها من التحول الى مركز مالي عالمي، فلديها ثروتها النفطية ومواردها المالية واستثماراتها الخارجية وموقعها الجغرافي البحري والبري الذي مكنها، ولا يزال يمكنها، من سهولة الاتصال مع دول العالم. ولديها الاهم من هذا كله شعب متعلم ومنفتح على الثقافات الاخرى، فهو قبل النفط استطاع ان يصل الى معظم دول العالم بسفنه الشراعية، وبعد النفط ازداد اتصاله بدول العالم، فهو شعب يميل الى التغير والتطور ويكره الجمود، فمكنته هذه الصفة من تغيير نظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسرعة معقولة. فتبنى النهج الديموقراطي وسن بعض التشريعات التي تدافع عن حقوق الانسان، وخاصة حقوق المرأة، وأنشأ العديد من جمعيات النفع العام والنقابات التي ابرزت قوة المجتمع المدني في هذه الدولة واهميته. الا اننا نعتقد ان هناك عقبات تمنعنا من ان نستغل تلك الامكانات الاستغلال الجيد لتحول بلادنا الى مركز مالي عالمي وندير استثماراتنا بصورة جيدة، ويأتي في مقدمة هذه العقبات الفساد، وخاصة الفساد الاداري والروتين الحكومي. ان مثل هذه العقبات جعلتنا نتخلف عن دول الخليج بعد ان كنا متقدمين عليها. واصبحنا عاجزين عن ادارة استثماراتنا بصورة جيدة بعد ان كنا متميزين في هذا المجال ومترددين في اتخاذ القرارات لمعالجة مشاكلنا، بل اننا نتراجع عن القرارات الصائبة امام اي ضغوط تافهة. وهناك مؤشرات وامثلة كثيرة تؤكد لنا ذلك، ومن هذه الامثلة: يقول لي صديق وكيل لمعهد ثقافي اميركي لتعليم اللغة، انه ظل اكثر من ثلاثة اشهر يدور بين البلدية وادارة الاطفاء والمنطقة التعليمية ووزارة التجارة للحصول على رخصة لفتح المعهد، ولكنه حتى الآن لم يتمكن من ذلك. ويستغرب الاميركان اصحاب المعهد من البيروقراطية الكويتية ويؤكدون انهم استطاعوا الحصول على مثل هذه الرخصة في دبي خلال ساعات، والآن استقر مركزهم الرئيسي في دبي. وقال لي صديق آخر انه ذهب في الصباح الى دبي ليحصل على رخصة لفتح مؤسسة صناعية واستطاع ان يحصل عليها خلال ساعات دون ان يتحرك من غرفة واحدة. اما في الكويت فيحتاج الحصول على مثل هذه الرخص شهورا يتنقل طالب الرخصة من وزارة الى اخرى او دفع رشاوى، وقد يرفض هذا الطلب في نهاية المطاف. كيف نستطيع ان نحول الكويت الى مركز مالي عالمي ونطلب من المستثمرين الاجانب ان يستثمروا اموالهم في الكويت، ثم نواجههم بهذا الروتين القبيح الذي دفع المستثمر الكويتي ليهرب بأمواله الى الخارج؟ اننا لكي نتحول الى مركز مالي عالمي ونقنع المستثمر ليستثمر امواله في بلادنا يجب ان نغير سلوكنا ونقضي على الفساد الاداري والروتين القاتل. فكيف يتسنى لنا ذلك؟ مثال آخر يدل على سوء الادارة: ذهب كثير من المواطنين الى وزارة المواصلات لتركيب هواتف ففوجئوا ان المسؤولين يخبرونهم ان المقاول المسؤول عن الخدمة انتهى عقده مع الوزارة من شهر يناير وحتى الآن لم تأت الوزارة بمقاول آخر يحل محله. وهل يعقل ان يحدث هذا في دولة تدعي انها تهتم بالتخطيط وتريد ان تتحول الى مركز مالي؟ هل يجوز لها ان تترك مرفقا حيويا يحتاج السكان لخدمته معطلا طيلة عشرة شهور؟ ان هذه الخدمة من الممكن ان نحصل عليها خلال ساعات في معظم دول العالم، وكنا نستطيع ان نحصل عليها خلال يومين في الكويت قبل ثلاثين عاما. فلماذا تراجعنا الى الخلف؟ مثال آخر قد يعرقل تحولنا الى مركز مالي، ما شاهدناه من سخرية بعض صحفنا من مقيمين من الجالية الهندية كانوا يحتفلون بعيد لهم بطريقتهم، واعتبرت الصحيفة انهم كانوا يقومون بعمل يتعارض مع قيمنا وبدأت تسخر منهم وتحرض بعض الاعضاء ضدهم وضد وزارة الداخلية التي سمحت لهم. وهاجمت صحيفة المقاهي والمطاعم لانها رأت مواطنة خليجية في حالة سكر، وطالبت باغلاق المطاعم والمقاهي ليلا لوجود حالة سكر واحدة. ان الدولة التي تريد ان تتحول الى مركز مالي عالمي يجب ان تنفتح على دول العالم الذي نطلب منه ان يستثمر في بلادنا ونتعرف على عاداتهم ونتبنى ثقافة تحمل نوعا من التسامح وبعيدة عن التشدد والتزمت مع الحفاظ على قيمنا ومعتقداتنا. ويجب على الاعلام الكويتي والنظام التربوي والقوانين ان تتبنى هذا السلوك وتشجعه.
9/11/2009
|