أحداث إيران وتداعياتها على المنطقة العربية | رجوع
تشهد إيران أحداثا خطيرة لم تشهد لها مثيلا منذ قيام الجمهورية الإسلامية.. إن المتظاهرين بأعدادهم الكبيرة ليسوا موحدي الدوافع والأهداف، بل هم خليط من القوى والمجموعات، تحركهم دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة. لقد أعطت تلك الأحداث انطباعا عن بروز صراع مصيري على طبيعة نظام الحكم في إيران، فهل تستمر إيران تحكم بنظام الجمهورية الإسلامية أم تتحول إلى نظام مدني؟ وإذا استمر النظام الإسلامي فهل سيحكم المحافظون أم الإصلاحيون؟ أما إذا تحولت إلى نظام مدني، فهل ستعود إلى النظام الملكي أم ستحكم بنظام جمهوري مدني؟ تشير طبيعة الصراع الدائر في إيران الى وجود تيارات مختلفة تحرك هذا الصراع، التيار الأول هم رجال الدين، وينقسمون إلى فئتين، المحافظون: وهم يريدون إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، لاعتقادهم أن الجمهورية مستهدفة من أميركا والغرب لوقف نمو الدور الإيراني في المنطقة، الذي يستند إلى تنمية القوة العسكرية الإيرانية لتتصدى للهيمنة الغربية والأميركية على المنطقة، ولوقف برنامجها النووي. والمحافظون يقوم نظامهم على التسليم بالحكم المطلق للمهدي المنتظر، ثم التسليم بالسلطة العليا للولي الفقيه نائب ووكيل الإمام المنتظر، ثم يأتي اختيار الشعب لرئيسه ونوابه ممن يوافق عليهم المرشد الأعلى (الفقيه) ومعاونوه. فالمرشد الأعلى عند المحافظين يتمتع بسلطات واسعة، فهو من خلال مؤسسته الدينية يهيمن على الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والجيش وحرس الثورة، وفوز نجاد يؤكد هذه الحقيقة، ففي فترة رئاسته السابقة رضي أن يخضع لإشراف المرشد وتوجيهاته. الفئة الثانية الإصلاحيون: وهم من رحم النظام ويريدون اصلاحه لتقويته وضمان استمراره. إنهم يريدون تطوير الجمهورية الإسلامية وتحصينها دستوريا، ويرون أن السلطات التي يريد أن يتمتع بها المرشد خارجة عن نطاق الدستور، ويريدون أن تكون سلطة رئيس الجمهورية المنتخب مساوية للمرشد، لا ان يكون خاضعا له. وانتقدوا سياسة المحافظين الاقتصادية والخارجية واتهموهم بأنهم يسعون الى جر إيران للمواجهة مع الغرب وأميركا. ويرجع بعض المحللين أسباب معارضة الاصلاحيين الشديدة للمحافظين، بالرغم من أنهم جميعا من المؤسسين لهذا النظام، وبالرغم من معرفتهم أن الطبقة الوسطى التي تؤيدهم بينها فئات كبيرة تعترض على النظام الديني وتسعى الى الإطاحة به، فيعزو البعض أسباب معارضة الإصلاحيين إلى شعورهم بأنهم يواجهون خطر استبعاد كامل من أي دور سياسي، وتأكد لهم ذلك من خلال خطبة الجمعة التي ألقاها المرشد، حيث وجه إنذارا صريحا للإصلاحيين، والخطبة الثانية التي ألقاها المحافظ أحمد خاتمي، حيث اتهم من يعترض على رأي المرشد بالشرك. التيار الثاني: تيار مدني، منهم من يريد عودة الملكية إلى إيران، ومنهم من يريد بناء نظام جمهوري دستوري مدني، ويقف وراء هذا التيار نخبة من أساتذة الجامعات والمفكرين والفنانين وطلبة الجامعات الذين يعارضون الحكم الديني. ويبدو أن تصاعد الأزمة لأكثر من أسبوعين، والدور الفعال الذي يقوم به الإعلام الغربي والأميركي وتعاطيه مع الأزمة هو ما يشجع على استمرار الفتنة، والخروج على النظام. مما يؤكد انحيازه إلى فئة ضد أخرى، لا حبا ولا كرها في أي فئة من الفئات، وإنما ليحدث تصدعا في المجتمع الإيراني لينفذ منه. فالإعلام الغربي الذي يستنكر القمع في إيران هو الذي يؤيد البطش الاسرائيلي. إن تدخل الاتحاد الأوروبي وأميركا السافر في الشأن الإيراني أكبر من الاحتجاج على نتائج الانتخابات أو قمع المتظاهرين. إنه يدل على أن هذه الدول قد حضرت لهذا الموضوع تحضيرا جيدا قبل فترة طويلة، ودرست الخطوات التي يجب اتباعها لتحقيق اهدافها الرامية لاسقاط النظام القائم واستبداله بنظام موال للغرب وأميركا واسرائيل. نأمل من القادة الايرانيين أن يستوعبوا الموقف وخطورته على دولتهم، ويبدو من التصريح الأخير للشيخ رفسنجاني أنه أصبح يميل إلى التهدئة، فهاجم الفتنة وأعلن ولاءه للمرشد. ولم يصدر حتى الآن أي تصريح يوضح الموقف العربي الرسمي من الأزمة الإيرانية، وكذلك منظمة دول العالم الإسلامي، على الرغم من أنها عضو بارز في منظمة دول العالم الإسلامي، وكان لها دور إيجابي وفعال في مساعدة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل، والتصدي للهيمنة الأميركية على المنطقة، لهذا تصف أميركا والغرب وإسرائيل، المحافظين بالإرهابيين والمتطرفين، وتعمل على زعزعة حكمهم، وإنهائه لإضعاف الممانعة والمقاومة للمشاريع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة.
4/7/2009
|