خطاب نتانياهو الصهيوني والرد العربي | رجوع
ألقى خطابه في جامعة بار إيلان أحد معاقل اليمين المتطرف التي تخرج فيها قاتل رابين الذي اعتبره الصهاينة خارجا عن المبادئ الصهيونية لقبوله الدخول في مفاوضات سلام ستضر بمصلحة الشعب الاسرائيلي. ولقد اختار ان يلقي خطابه في الجامعة ولم يلقه في الكنيست لأنه أراد ان يرد على خطاب أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة. وكان يريد أن يقول لأوباما لست وحدك الذي تملك ناصية البلاغة، بل أنا كذلك. وضمّن خطابه الحجج التي تدعم مزاعمه الصهيونية. وكما كان لخطاب أوباما صدى وردود فعل واسعة فقد كان لخطاب نتانياهو ردود فعل واسعة. كان خطابا متسما بالعنصرية والغطرسة التي طبع عليها الصهاينة طوال تاريخهم. لقد تنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، واستخف بمشاعر الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية التي آمنت بخيار السلام، وقدموا مبادراتهم التي ضمنوها مقترحاتهم التي تنازلوا فيها لإسرائيل عن أرض فلسطين المحتلة قبل 67، وانتظروا طويلا رد الشريك الاسرائيلي. وجاء الرد عنيفا وقاسيا، ولقد كان الشريكان العربي والدولي متشائمين قبل الخطاب، لكن لم تكن توقعاتهما ان تكون الردود بهذه الصورة السيئة والمهينة. لقد اشار في بداية الخطاب إلى معاناة اليهود والمحرقة النازية، وقال إن هذه الأحداث الأليمة ما كانت لتحدث لو كان الشعب الاسرائيلي موجودا في أرضه التاريخية. ويزوِّر التاريخ فيعتبر أرض فلسطين بحدودها التاريخية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط هي أرض اسرائيل التي عاش فيها أجدادهم قبل 3500 عام، لذا يؤكد أن المستوطنين يسترجعون أرضهم ولا يصادرونها، ويعتبر الوجود الفلسطيني في الضفة وداخل حدود الدولة اليهودية كان صدفة وخطأ تاريخيا، فهم ليس لهم حقوق، بل يعيشون على ارض اسرائيل كغزاة أو رحّل. ويرى أن اليهود خارج أرض الميعاد يعيشون في المنفى منقسمين على ذاتهم وموزعي الولاء ويتطلع إلى عودتهم. وفي ضوء هذه التصورات الصهيونية القائمة في ذهنه والتي يستقيها من الروايات الدينية، والتي كشفت الدراسات التاريخية النقدية الحديثة التي تعتمد على القرائن ونتائج الحفريات والنقوش في أرض فلسطين القديمة أن تلك المرويات تتعارض مع حقائق التاريخ. يضع شروطه المهينة لتسوية الصراع القائم على أرض فلسطين. طلب من العرب والفلسطينيين أن يقروا بيهودية دولة اسرائيل، ورفض عودة القدس الشرقية التي احتلت عام 67، ورفض أن تكون على جدول أي مفاوضات لاحقا، واعتبرها العاصمة الأبدية لإسرائيل، ورفض الانسحاب من الضفة والعودة إلى حدود ما قبل يونيو 67، ورفض وقف الاستيطان، واشاد بشجاعة المستوطنين وطمأنهم الى بقائهم في المستوطنات حتى في ظل الحل النهائي. ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين ورأى أن حل مشكلتهم يكمن في بقائهم واستقرارهم في الدول التي يقيمون فيها. وتجاهل المبادرة العربية ولم يتطرق إليها، ولم يتطرق إلى الانسحاب من الجولان، لكنه طالب الدول العربية بالتطبيع مع اسرائيل لان ذلك التطبيع يخلق أرضية للسلام. فإذا تقبل العرب والفلسطينيون تلك الشروط قد تفكر اسرائيل في حل مشكلة الفلسطينيين المقيمين في يهوذا والسامرة. عندئذ سيتكرم عليهم ويمنحهم دولة. ولكن هذه الدولة ستكون بلا سيادة ومن دون جيش ولا أسلحة سوى قوات الأمن التي تحمي اسرائيل وتقمع المقاومة. وتسيطر اسرائيل على حدودها البرية والبحرية وعلى أجوائها. كما طالب الفلسطينيين بأن يعترفوا بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، أي يطالبهم بالتخلي عن أهم مبدأ لأساس فكرهم القومي المتمثل في أنهم شعب سلبه أرضه غزاة يهود بإسناد من القوى العظمى. كما طلب أن تضمن أميركا الترتيبات الأمنية المستقبلية في المناطق الفلسطينية، أي أن يرابط جنود أميركيون في المعابر لمنع تهريب السلاح لكي لا تتحول إلى دولة إرهابية. لقي الخطاب ردود فعل واسعة، ففي إسرائيل نال تأييدا واسعا في استطلاعات الرأي وثناء المحللين. وهو قد لا يختلف عن مواقف رؤساء الحكومات الاسرائيلية السابقين سوى بالأسلوب الفظ، أما المضمون فواحد، فجميعهم رافض لفكرة السلام ومهووس بالعداء لكل من حوله. ورحب أوباما والعالم الغربي بالخطاب واعتبروه خطوة ايجابية في عملية السلام. والخوف أن يتحول الموقفان الاميركي والغربي إلى عامل ضغط على الأنظمة العربية فيطالبانها بالتطبيع مع اسرائيل واقامة علاقات اقتصادية معها بحجة ان نتانياهو استجاب لمطلب أوباما بحل الدولتين. عندئذ كيف يكون موقف الدول العربية التي رفضت ذلك الخطاب واعتبرته خطاب حرب لا خطاب سلام؟ نتمنى أن يكون للعرب موقف صريح وشجاع إزاء التعنت الاسرائيلي. فأميركا والغرب لن يتحمسا لنصرة الحق العربي إذا لم يكن للعرب موقف استراتيجي واضح وثابت. ومن الخطأ الاعتقاد أن العرب ليس لديهم أوراق ضغط على السياستين الأميركية والدولية.
6/29/2009
|