الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
خطاب أوباما إنشائي وليس صانع قرار | رجوع
بدا الرئيس أوباما أثناء خطابه وكأنه أستاذ جامعي أكثر منه رئيس دولة، استدعى الحضارة الإسلامية وإنجازاتها المبهرة. وقدم نصائح للعرب والمسلمين. ولكنه لم يتحدث بصفته رئيس اكبر دولة في العالم ارتكبت كثيراً من الأخطاء اضرت المنطقة، ولم يرسم سياسات ويقدم حلولاً لمعالجة المشاكل العالقة. كان خطيبا بليغا فرض على مستمعيه التقدير والاحترام للمفردات التي ضمنها في ذلك الخطاب والأفكار الاساسية التي احتوى عليها، والتي يتضح منها فهمه لدين الإسلام وتقديره لذلك الدين الذي يفرض على أتباعه كثيرا من الأخلاق الحميدة، كحثهم على التسامح وكحرمة النفس البشرية، وان الله - في نظر الإسلام - خلق الناس ليتعارفوا لا ليتحاربوا. لقد حظي ذلك الخطاب باهتمام العالم بأسره. 
وقاطعه الحاضرون الذين اختيروا بعناية من الطرف الأميركي بتصفيق حاد عدة مرات.. واستطاع أوباما ان يسيطر على مشاعر المستمعين وأعجبوا بلغة الخطاب، خاصة انه صادر من رئيس أميركي جاء بعد رئيس كان يحتقر المنطقة وشعوبها ويخاطبهم بعنجهية. 
لا شك ان الخطاب أعد بعناية فائقة وصاغه مجموعة من الخبراء، وأضاف إليه الرئيس بذكائه بعض التعديلات، فقد ذكر من صاحَب الرئيس في الرحلة انه ظل طيلة الرحلة ساهراً يقرأ الخطاب. لأنه كان يدرك أن الخطاب ليس موجهاً إلى العالمين العربي والإسلامي، بل سيشاهده الشعب الأميركي الذي انتخبه. ان السياسات الأميركية لا يصنعها الرئيس لوحده، بل تصنعها مؤسسات، فالمؤسسات التي انتخبته تريد منه ان يخرج أميركا من ورطتها وأزماتها التي أدخلها فيها بوش، ويحسن صورة أميركا لشعوب المنطقة. لذلك جاء أوباما إلى المنطقة بمدخل جديد ولغة مختلفة، بحثا عن مخارج للورطة الأميركية. من هنا قد نختلف قليلا مع وجهة نظر الاستاذ هيكل الذي قلل من أهمية الخطاب لاعتقاده انه لا يحمل سياسات جديدة، ورأى لو انه أراد ان يحدث تغييرا في السياسات لذهب إلى الكونغرس وليس إلى جامعة القاهرة، ورأى ان خطابه لم يوجه إلى أحد في مصر، فلم يذكر رئيس الدولة التي استضافته، مما يدل على أننا أمام حملة علاقات عامة، وان مصر التاريخية هي التي سيطرت على مخيلته وليست مصر المعاصرة. ومما يؤكد وجهة نظرنا بأن أوباما لم يكن يقصد ان يوجه خطابه فقط للعالمين العربي والإسلامي بل إلى العالم بأسره وخاصة الشعب الأميركي، ردود الفعل القوية لذلك الخطاب في العالم وبصفة خاصة في أميركا، حيث اشاد به الديموقراطيون، ورفضه المحافظون والتحالف الجمهوري اليهودي، وأشاد الإعلام الأميركي بدعوة أوباما إلى فتح عهد جديد مع العالم الإسلامي. 
ولكن، على الرغم من التغير الكبير في لهجة أوباما التصالحية، فان هناك بعض الملاحظات على الخطاب، أولها ان العالم العربي لن ينخدع بذلك الكلام المعسول الذي تعود ان يسمع مثله من المستعمرين قبله، فقد تذكروا خطاب نابليون الاسلامي الذي ألقاه في الأزهر، وأعلن فيه اسلامه وانه سيدافع عن المسلمين، لادراكهم انه كان يريد خداعهم، فهو يحتاج مساعدتهم بعد ان دمر الانكليز أسطوله. ثم لماذا يتحدث مع العرب والمسلمين عن المعاناة التاريخية لليهود؟ فهم ليس لهم ذنب في تلك المعاناة، بل هي صناعة غربية. فاليهود كانوا محترمين في بلادنا وحقوقهم كانت مصونة. انه أراد ان يبرر أسباب الانحياز الأميركي لاسرائيل، فأكد ان العلاقات بين أميركا واسرائيل قوية وغير قابلة للانكسار. ودعا الفلسطينيين الى التخلي عن القتل والعنف، فأنكر حق الفلسطينيين في مقاومة المحتل وانحاز للرؤية الاسرائيلية حول يهودية اسرائيل، وهذا يعني الغاء حق العودة للفلسطينيين وطرد عرب 48. وعندما تحدث عن تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي دعا إلى تسويته من خلال حل الدولتين من دون ان يشير إلى حدود 67 ولا إلى مرجعية القرارات الدولية. 
اما بالنسبة إلى الحرب على العراق، فعلى الرغم من انه اعترف ان تلك الحرب لم تكن حرب ضرورة، لكنه برر تلك الحرب بأنها جعلت العراق في وضع أفضل مما كان عليه قبلها. وهو كلام عار عن الصحة، فالعراق أصبح بعدها دولة فاشلة مدمرة يكثر فيها الفساد والاقتتال الطائفي العرقي. وفي أفغانستان أكد على مواصلة الحرب التي تشنها بلاده هناك. كما حرض حاكم باكستان على محاربة طالبان ليوقع باكستان في حرب أهلية طاحنة. 
وأشار بغرابة إلى الأقليات في العالم العربي كالأقباط في مصر والموارنة في لبنان، وتخوف على ضياع حقوقهم وعلى وجودهم. وهذا تدخل في الشأن الداخلي. فالأقباط والموارنة ليسوا أقليات، بل مواطنون. ومن استمع إلى عظة البطريرك الماروني نصر الله صفير التي قدمها لمسيحيي لبنان قبل الانتخابات، وهو يحثهم على المحافظة على عروبة لبنان، كأنه يرد على كلام أوباما. وعلى الرغم من هذه الملاحظات، لكننا نقدر خطاب الرئيس، ونتمنى أن يكون مقدمة طيبة لتعامله مع شعوب المنطقة.


6/16/2009
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com