تعاطي التيارات الدينية مع السياسة والدولة | رجوع
إن التشدد الديني ظاهرة قد تنشأ في جميع الديانات وهي ظاهرة قديمة وحديثة. ففي اليهودية، كما يقول القرآن الكريم: «ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما..». وفي المسيحية، ظهرت فيها انقسامات كالكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت وظهرت الرهبنة في القرن الرابع م. وفي الإسلام، ظهر التشدد مبكرا فلعلنا نعرف قصة الجماعة الذين ظنوا أن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم قليلة. فقال أحدهم: إني لا آكل اللحم أبداً، وقال آخر: وأنا لا أتزوج النساء، وقال ثالث: أنا لا أنام على الفراش. ولما بلغ أمرهم إلى النبي خرج إليهم غاضبا، وقال في ما معناه: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، إني لأخشاكم لله وأتقاكم ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. وتكررت الظاهرة في عهد عمر، من شباب أرادوا أن ينقطعوا للعبادة في المسجد وطردهم منه. ولكن بعد أن ضعفت الخلافة في أواخر عهد عثمان، وكثرت الفتن وشكل الخارجون على الدولة فكرا سياسيا وحملوا السلاح وقتلوا الخليفة ثم قاتلهم الإمام علي وقاتلتهم الدولة الأموية. فالخوارج صفة لكل من يخرج على الدولة ويتستر بالدين ويفهمه فهما خاطئا ويريد ان يفرض هذا الفهم على الآخرين ويقاتل ليصل إلى أطماع سياسية وأهداف حزبية. وفي العصر الحديث، ظهر التشدد الديني في كثير من الديانات. ففي إسرائيل أوصل الإسرائيليون المتطرفين الى الحكم ظنا منهم أنهم خير من يدافعون عن مصالح اسرائيل. وفي العالم المسيحي، ظهر المتشددون في اميركا والغرب الذين يتمسكون بالمرويات الدينية، وعرفوا بالأصوليين أو المحافظين الجدد، وأصبح لهم نفوذ واسع في مراكز البحوث ومراكز اتخاذ القرار وحرضوا إدارة بوش على شن الحروب، وفي المجتمعات الإسلامية ظهر مصطلح الإسلام السياسي في العصر الحديث. فبدأ يظهر التمييز بين كلمتي مسلمين وإسلاميين، فالمسلمون هم الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي، أما الإسلاميون فهم المسلمون الذين ينتمون إلى جماعات تيار الإسلام السياسي. وانقسموا إلى جماعات مثل الصوفية والتبليغ والإخوان المسلمين والسلفيين والخمينيين. وكان أغلبهم لديهم مشروع إصلاحي يريدون إصلاح مجتمعاتهم عن طريق تجديد الدين والأخلاق والاقتصاد والسياسة، ويريدون الوصول إلى أهدافهم بالطرق السلمية عن طريق الإقناع والديموقراطية، واستطاعت تلك التيارات ان تحقق انتشارا واسعا. ولكن بعض تلك الجماعات اضطر الى حمل السلاح لظروف خاصة بها. مثل المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين والعراق والصومال وحركة طالبان في أفغانستان وباكستان وأصبح نزع سلاحها صعبا، وقد يؤدي إلى حرب أهلية تدمر تلك الدول. وفي المجتمع الكويتي، حقق الاسلاميون انتشارا واسعا، وفي اواخر عقد السبعينات ناقشت التيارات الاسلامية مبدأ دخول معترك الحياة السياسية، وفضل بعضها الابتعاد عنها، لانها مليئة بالشوائب والفساد، في حين رأت الاغلبية ان السياسة لها تأثيرها الواسع في الحياة والمجتمع، ولا ينبغي تركها للآخرين، وفضلوا ولوج الحياة السياسية، واستطاعوا ان يحققوا بعض النجاح في الساحة السياسية، سواء اثناء تواجدهم في المجلس النيابي أو الساحة الاعلامية والاقتصادية، ومختلف جمعيات النفع العام والمجتمع المدني، ومن الطبيعي ان يكون لهم بعض الاخطاء، ومن الاخطاء عدم التزام بعضهم بالقسم الدستوري، وتعمد اضافة عبارات ليتناسب مع معتقداتهم الدينية، وتشدد بعضهم ضد قبول المرأة كعضو في البرلمان، بعد ان انتخبها الشعب الكويتي، ونتمنى على الجماعات الدينية ما دام انهم رضوا الدخول في الحياة السياسية ان يتقبلوها كما يتقبلها الآخرون، وإذا ارادوا ادخال اي تعديل فعليهم اتباع الاجراءات القانونية. وتواجه الحركات الاسلامية بعض الاخطار، منها: انقسامهم الى مجموعات قد يعادي بعضهم بعضا، واعداؤهم الليبراليون الذين يتصيدون لهم الاخطاء ويصفونهم بالجمود والتخلف، والانظمة الاستبدادية التي تخشى اتساع نفوذهم الشعبي وتواجههم بالقتل والاعتقال منذ ما يقارب قرنا، والحكومات الغربية التي تصفهم بالتطرف والارهاب. ولكن الأخطر من هذا ان يأتي الخطر من داخل الجماعة نفسها، وذلك حين تنتمي اليهم مجموعات لا تؤمن ايمانا حقيقيا بمبادئهم، بل تنتمي اليهم لتحقق مكاسب شخصية، فعندما تصل تلك المجموعات الى مراكز قيادية قد تتحول الى معاول هدم للتيارات الدينية، فإذا ارادت الجماعات الدينية تحقيق مشاريعها الاصلاحية في المجتمع العربي، وإنقاذ الامة من اخطار الاستعمار الجديد، فعليها ان تدقق في اختيار القيادات وتقيّم سياساتها بصفة مستمرة.
11/6/2009
|