الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
الديموقراطية ترفض الفوضى | رجوع
الديموقراطية، كما ابتكرها الأثينيون، مشروع لنقل السلطة إلى الشعب بصورة سلمية بعيدة عن الفوضى والعنف. فالديموقراطية تكره الفوضى وتدين العنف، والحرية الممنوحة في المجتمع الديموقراطي ليست حرية مطلقة، بل منضبطة تنظمها القوانين واللوائح ومصالح الأفراد. وبعد الاستقلال اختارت الكويت النظام الديموقراطي لتقدم نفسها للمجتمع الدولي على أساس أنها دولة صغيرة ديموقراطية يتمتع شعبها بالحرية والعدالة والمساواة، خاصة بعد شيوع الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في العصر الحديث. 
وإذا كانت الديموقراطية تعني حكم الشعب، أي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال اختيار ممثليه في السلطة، فكان من الضروري إتاحة السبل أمام الجمهور لمعرفة مستوى من سيختارهم ليعكسوا آماله. إلا أننا ككويتيين لم نتوصل إلى صيغة متميزة تمكننا من حسن اختيار من يمثلنا في السلطة وهو مزود برؤية تعكس هموم الناس وتطلعاتهم. ونتيجة حظر الأحزاب ظهرت تجمعات قومية ودينية واصطبغت بصبغة ايديولوجية وطائفية. وكان أغلب هذه التجمعات عبارة عن فروع لتنظيمات عالمية. ولم ينتمِ كثير من الكويتيين إلى تلك التنظيمات. ثم ظهرت تكتلات قبلية فتحمست القبائل لإيصال من يمثلها الى المجلس النيابي ليدافع عن مصالح القبيلة ومطالبها. وهكذا أصبح المجلس يتشكل من تكتلات طائفية دينية وقبلية وبعض المستقلين. وغاب عن الجميع مشروع الدولة الوطنية وما تحتاج إليه من مشاريع تنموية وإصلاح، وسرعان ما تأثر مجلس الوزراء بالتشكيل النيابي فأصبحت التشكيلة الحكومية مشابهة لتشكيلة المجلس تتكون من محاصصة طائفية وقبلية لإرضاء الكتل البرلمانية. وبهذه التشكيلة افتقد مجلس الوزراء روح الفريق الواحد الذي ينبغي أن يدير الدولة بقوة وبفكر واضح ومنسجم. 
في ظل هذه الظروف ظهرت ظواهر سلبية جديدة داخل المجلس النيابي أدت إلى انحدار مستوى المجلس وضعفه وتدهور العلاقة بين السلطتين، ومن أبرزها تدني لغة الحوار لدى بعض الأعضاء وأصبح تقييم العضو الناجح في نظر الجماهير ليس العضو الذي يهتم بإصلاح التعليم أو أي شأن من شؤون الدولة أو يهتم بمشاريع التنمية والإصلاح، بل سليط اللسان الذي يرفع صوته على الوزراء والمسؤولين ويهينهم ويوجه إليهم التهم بدليل أو من دون دليل، ويقدم المقترحات لتبديد ثروة الدولة ويهدد المسؤولين بالاستجواب إذا لم يستجيبوا لمطالبه المدمرة، ويطلق على الاستجواب المقصلة ويخاطب الوزير قائلاً «سأضع العقال في رقبتك وأقودك إلى المقصلة أو كرسي الإعدام».. إلى غير ذلك من الألفاظ النابية التي لم نألفها أو نسمع مثلها في برلمانات أخرى، والتي تتعارض مع آدابنا وديننا، فنحن نعلم ان الإسلام نهى عن مخاطبة الناس بصوت عال واعتبره من سوء الأدب. قال تعالى على لسان لقمان الحكيم وهو ينصح ابنه، وهو أعز الناس إلى نفسه: «واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير». فشبه من يعلي صوته على الناس ويغلظ في القول بصوت الحمير، تحقيرا واستهجانا لهذه الظاهرة السيئة لينفِّر المسلمين منها. 
وساعد على نمو هذه الظاهرة ضعف الوزراء، خاصة في الآونة الأخيرة، وتفضيلهم السكوت عن انتقادات النواب وعدم قدرتهم على الدخول معهم في سجال أو نقاش. وتمادى بعض الوزراء في ترضية أولئك النواب فاشترى سكوتهم بالاستجابة لمطالبهم وتقديم الخدمات لهم. وأصبح واضحا أمام النواب ان الحكومة تستجيب لمطالب النواب أصحاب الصوت العالي، فبدأ آخرون في تقليدهم فنمت هذه الظاهرة. ولو سلطنا الضوء على الساحة الانتخابية لتأكد لنا من خلال المشهد الانتخابي ان الجماهير تتعاطف مع المرشح صاحب اللهجة الحادة، والذي تعتقله النيابة بتهم القذف والتعدي على المسؤولين. وهذا يعني ان المجلس سيتشكل من أكثرية ممن تثير الأزمات. فما هو الحل؟ لا شك أننا في مأزق، ويخطئ من يعتقد ان الخروج منه يكمن في حل المجلس حلا غير دستوري وتغيير بعض مواد الدستور واستبدالها بأخرى لإضعاف المجلس وتقوية الحكومة. نحن نعلم ان هذا مطلب حكومي قديم. ويعتقد البعض انه قد آن أوان تنفيذه مستغلا كراهية كثير من الشعب للتصرفات السيئة لبعض النواب. نرجو ألا يُسمع الى مثل هذه الأصوات، فقد تجرنا الى وضع أسوأ مما نحن فيه. وقد يكون الحل الأفضل تكوين حكومة نظيفة وقوية تستطيع أن تتعاطى مع مشاكل المجلس بصورة متميزة، فهي ليست صعبة الحلول، وأن تحسن إدارة الدولة.


4/28/2009
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com