الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
الغارة على السودان تهديد للأمن القومي العربي | رجوع
إن الغارات الجوية التي نفذتها اسرائيل في منتصف يناير الماضي على السودان دليل على ضعف العرب، وعلى قدرة اسرائيل على العبث بالأمن القومي العربي. والغريب أن الموقف الرسمي السوداني والمصري قد تكتم على الحادث حتى كشفت عنه صحيفة الشروق بعد شهرين من وقوعه. ثم كان ردهما فاترا لا يتناسب وحجم الجريمة التي ارتكبت في حقهما، ولا مع كونهما من الدول العربية الكبرى. وتضاربت التقارير حول عدد الغارات وأهدافها. فبينما اشارت تقارير اميركية الى أن الغارة استهدفت شاحنات تحمل أسلحة إيرانية متطورة لغزة، صرح وزير النقل السوداني في أواخر مارس الماضي ان الغارتين استهدفتا قوافل تحمل مهاجرين غير شرعيين من دول أفريقيا كانوا ينوون الهجرة إلى أوروبا، وقد قتل منهم ما يقرب من 800 شخص. أما بالنسبة لمصر فقد صرح وزير خارجيتها في أوائل ابريل الحالي بأن بلاده كانت على علم بتوجيه ضربتين لقوافل في شرق السودان منذ وقوعهما، ولكنها آثرت الصمت لأنها لا تريد إحراج الإخوة في السودان. ورأى أن السودان يواجه مشاكل ويقترح عقد مؤتمر دولي لتسوية المسألة السودانية. فهو لا يزال يعلق آمالا على المجتمع الدولي لتسوية القضايا العربية. أما بالنسبة لإسرائيل فقد ألمح أولمرت في أواخر مارس الماضي تعليقا على الحادث، متباهيا بقوة اسرائيل وقدرتها على الردع. وعلقت صحف اسرائيلية على الحادث بقولها: ان الغارة الاسرائيلية في السودان كانت رسالة ردعية لإيران لتعلم من هذه العملية أن لإسرائيل معلومات استخباراتية عالية. 
وتعتبر هذه الجريمة وأسلوب التعاطي معها وصمة عار، ليس في وجه الدولتين فحسب، بل وفي وجه الأمة العربية والإسلامية، لأن الأنظمة العربية التي تملك الجيوش، والتي لا تتردد في انزال قوى الأمن لتضرب المواطنين إذا طالبوا ببعض حقوقهم المشروعة بداعي الحفاظ على الأمن، نراها صامتة أمام هذه الجريمة المهينة. وعلينا أن نتساءل: لو أن طيرانا عربيا أو إيرانيا دخل الأجواء الإسرائيلية وقتل كلبا أو حيوانا، فكيف نتوقع ردة فعل المجتمع الدولي، وبصفة خاصة أميركا، على هذا الحدث؟ بكل تأكيد ستعتبر الحادث جريمة كبرى في حق البشرية، وتطالب بتوقيع أشد العقوبات على الدولة المعتدية، وستحاصر جيوشها هذه الدولة وتضربها حتى تستسلم لشروطها. أما إسرائيل فلا تجوز محاسبتها فهي فوق القانون الدولي. ولأن من قتلتهم ينتمون إلى دول العالم الثالث فإنهم لا يستحقون تعاطف المجتمع الدولي مع قضيتهم. 
إن هذا العدوان الاسرائيلي وأسلوب تعاطي الدول العربية معه يعنيان أمورا كثيرة، من أهمها عجز العرب وضعفهم أمام إسرائيل، وعدم اهتمامهم بأمنهم القومي، وتراجع وعيهم بخطورة المشروع الصهيوني. أما إسرائيل فبالرغم من توقيعها معاهدات صلح مع بعض الدول العربية فإنها لم تبدل طبيعتها كمشروع استعماري استيطاني توسعي، ولم تتخل عن مشروع تكوين دولة اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. ولتحقيق ذلك عززت من قدراتها العسكرية، وتسارع في جلب مزيد من المهاجرين الصهاينة، وتعمل على إضعاف الدول العربية الواقعة شرق اسرائيل وغربها. ولعل ما حدث في العراق وما يحدث في السودان يؤكد هذه الآراء. وفي ندوة لوزير الأمن الداخلي الاسرائيلي تحدث فيها عن استراتيجية اسرائيل في المنطقة وقد وضعها كبار الاستراتيجيين الاسرائيليين منذ الخمسينات من القرن الماضي، وتقتضي تلك الاستراتيجية اضعاف الدول العربية الكبرى ذات الامكانات الضخمة مثل السودان والعراق، لكي لا تستغل تلك الامكانات، ومن ثم تصبح دولة قوية خطرة على الأمن الإسرائيلي. 
وتتقاطع المصلحة الاسرائيلية مع الحلم الأميركي الذي يسعى للسيطرة على العالم. ويرى أن الهيمنة على العالم العربي والإسلامي ستكون خطوته الأولى في تكوين الامبراطورية الأميركية، وبعد هزيمته إلى حد كبير في المشرق على يد المقاومة العراقية والأفغانية واللبنانية والممانعة السورية، بالرغم من التدمير الهائل الذي أحدثه فيها، يحاول أن يعيد الكرة في السودان ذي الموقع الاستراتيجي المطل على عشر دول أفريقية، وذي امتداد كبير على البحر الأحمر، وصاحب الثروة الزراعية والمائية الضخمة والاكتشافات البترولية الجديدة، وأهميته بالنسبة للأمن المصري، لهذه الأسباب اكتسبت السيطرة على السودان أهمية في المشروع الأميركي والاسرائيلي، ولتحقيق ذلك ابتكرت فكرة الحروب الاستباقية، فشنت حروبا غير أخلاقية ولأسباب كاذبة، وألغت مبدأ سيادة الدول واستقلالها، وتلاعبت بالقانون الدولي وفسرته حسب مصالحها. فتعتبر حركات التمرد حركات تحرير تستدعي المساعدة كما حدث في جنوب العراق وشماله وجنوب السودان وغربه، أما حركات التحرير والمقاومة التي تقاوم المشاريع الاستعمارية الأميركية والاسرائيلية فينظر إليها على أساس أنها عمل إرهابي. فمتى تستفيق الأمة من غيبوبتها وتدرك الأخطار القاتلة التي تهدد أمنها؟!


4/21/2009
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com