قانون تجريم الانتخابات الفرعية بين الواقع والمأمول | رجوع
«وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً»، ان القواعد التي تريد ان تؤصلها هذه الآية في نفوس المسلمين تجعلها أعم وأعمق في حياتهم من الأسباب التي نزلت من أجلها. انها تريد ان توجه الأمة المسلمة التي تكونت حديثا إلى ان تنسى الواقع الذي كانت عليه قبل الإسلام، عندما كان العرب يعيشون في مجتمع قبلي عشائري يرفضون الحياة في ظل أمة موحدة لها نظمها وقوانينها . فتطلب منهم ان يكونوا مجتمعا منظما ومنضبطا يخضعون في تصرفاتهم للأوامر الصادرة من الله ورسوله، ويبتعدون عن اتباع أهوائهم ومصالحهم أو مصالح القبيلة، كما كانوا قبل الاسلام، نتمنى لو نستطيع تطبيق مدلول هذه الآية على مجتمعنا، فاننا نعيش في مجتمع مسلم متحضر له قوانينه ونظمه الصادرة عن مجلس الأمة، وهو مجلس يمثل الشعب وموقعه من صاحب السمو رئيس الدولة. فهل نريد ان نعيش في مجتمع مدني متحضر يحترم القوانين الصادرة عن الجهات المتخصصة، التي رأت ان في تطبيقها خيرا ومنفعة للجميع؟ أم اننا نريد ان نحيا في مجتمع منفلت مضطرب لا يحترم قانونا ويخضع لرغبات الأفراد والقبائل ونزواتهم؟ في ضوء هذا السياق نود ان نناقش القانون الكويتي الذي يجرم الانتخابات الفرعية التي تجري على أسس طائفية أو فئوية أو قبلية، ونعتقد ان المشرع سن هذا القانون مخافة ان تكرس تلك الانتخابات قيما ضارة في المجتمع كالفئوية والعصبية، لاعتقاده ان هذه القيم اذا نمت في المجتمع فسيصبح الولاء فيه للقبيلة أو الطائفة أو الفئة مقدما على الولاء للدولة، وهذا يتعارض مع قيم تسعى الدولة الى تحقيقها، كدعم الوحدة الوطنية ومحاربة التفكك والتمزق الاجتماعي.. لذا نرى ان هذا القانون جيد ومهم. وهناك كثير من الدول الحديثة اصدرت قوانين تجرم الممارسات التي تؤدي إلى نشأة التمايز العنصري بين ابناء المجتمع. لذلك نتمنى ان نبحث عن الوسائل التي تساهم في دعم هذا القانون وعدم تعرضه للفشل. يضاف إلى ذلك ان المشرع عندما سن هذا القانون رأى فيه انسجاما مع مبادئ الدستور، التي تنص احدى مواده على ان «عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى مصالحها» وقبل اقراره خضع لدراسة واسعة وبعد الموافقة عليه وقعه رئيس الدولة، ومن ثم أصبح قانونا مثله مثل القوانين الاخرى يجب احترامه، اما من يعتقد ان هذا القانون سيىء، فعليه ان يتقدم بمشروع تعديله إلى المجلس ليناقش تحت قبة البرلمان، فاذا اقتنعت الغالبية بالتعديل أخذ به، اما اذا رفضته فيجب احترامه. ومن هذا المنطلق نرى ان ما يجري على الساحة الانتخابية من تحدٍ سافر لقوانين الدولة ودعوة صريحة للخروج عليها، يعد مظهرا من مظاهر الفوضى ومحاولة لإضعاف الدولة والغاء وجودها. فكيف نحمي الدولة ومؤسساتها من الفوضى التي يريد البعض ان يجرنا اليها؟ من المؤسف ان نرى ان من بين من ينادي بالخروج على القانون اعضاء سابقين ومرشحين للمجلس القادم. كان المفروض عليهم ان يكونوا قدوة حسنة للالتزام بالقوانين لانهم سينتمون إلى السلطة التشريعية التي تشرع القوانين للدولة، لذا يجب ان يكونوا أول من يلتزم بالتمسك بالقوانين والحفاظ عليها. كما نأسف لتعاطي الإعلام مع هذه الظاهرة الخطيرة، حيث يتناولها وكأنها نوع من أنواع التسلية أو كواقع قد فرض نفسه يصعب مواجهته. ولم يهتم بتحليل هذه الظاهرة تحليلا جادا وعميقا ليوضح سلبياتها. وقد نلمح في الساحة الانتخابية بعض المؤشرات الايجابية من أهمها تنامي اهتمام القبائل بالديموقراطية وازدياد وعيهم بأهميتها، والنظر اليها على اعتبار انها شأن مهم وحق من حقوق الانسان الطبيعة في وطنه. لذلك ترى ضرورة الحفاظ عليها والدفاع عنها. فهذه النظرة الجديدة من القبائل للديموقراطية والتي لا تقتصر على الكويت بل على امتداد الجزيرة العربية، حيث يحضر إلى الكويت أيام الانتخابات بعض شيوخ القبائل ليشاهدوا أسلوب تفاعل قبائل الكويت مع الديموقراطية، فهذه النظرة الجديدة تعد دعما للديموقراطية ومكسبا لها. لان القبائل جزء مهم من مكونات المجتمع، وأي تغير ايجابي في هذا المكون ستنعكس جوانبه الايجابية على المجتمع بأسره. ونأمل ان تدرك القبائل سلبيات الانتخابات الفرعية وخطورتها وتبتعد عنها، لانها تضعف القبائل لما تثيره من نعرات وعداوات بين القبائل بعضها مع بعض وفي داخل القبيلة بين أفخاذها. ونأمل ان يتم اختيار المرشحين الصالحين الذين يدركون أهمية المجلس ودوره وان يبعدوه عن المهاترات والتأزم الذي سيحول الكويت إلى دولة فاشلة ليس لديها مشاريع وطنية تنموية.
4/13/2009
|