الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
تأملات في النطق السامي | رجوع
كان صاحب السمو حزيناً ومتألماً أثناء إلقائه النطق السامي الذي أعلن فيه حل مجلس الأمة. كان يتمنى أن ينهي المجلس فصوله التشريعية بأمان. لكن الممارسات السلبية التي كانت تشهدها الساحة البرلمانية والتي أدت إلى تدهور العلاقات بين السلطتين وتسببت في فشل الدولة وعجزها عن متابعة القضايا والمشكلات المهمة ومعالجتها، وعلى رأس تلك المشكلات المشكلة الاقتصادية، كل هذه الأسباب جعلت صاحب السمو يشعر بوجود أخطار تهدد أمن الدولة، ورأى ان الأوضاع الدولية والإقليمية المحيطة بنا والمتفجرة تزيد من خطورة تلك الأخطار. لهذا رأى سموه ضرورة حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة، آملاً من المواطنين أن يحسنوا اختيار نوابهم ليأتي مجلس يقدر أعضاؤه مسؤولياتهم تجاه أمن الوطن وأهمية التعاون بين السلطتين. لقد كان للخطاب صدى عظيم لدى الشعب الكويتي، واتضح منه أن سموه كان متابعاً لكل ما يجري في الساحة الكويتية، سواء الممارسات السلبية لبعض أعضاء المجلس، أو التقصير من الأجهزة الحكومية أو الانحرافات في بعض وسائل الإعلام. 
لقد تنفس الشعب الصعداء بعد ان علم ان سموه قد اختار الحل الدستوري والدعوة إلى انتخابات مبكرة، بعد ان ترددت إشاعات عن وجود نية للجوء إلى الحل غير الدستوري. لقد أسكت سموه أصوات الفتنة التي أطلت علينا كعادتها في كل أزمة، مستغلة تذمر الشارع الكويتي من الممارسات السلبية لبعض الأعضاء، فارتفعت تحرض ضد الديموقراطية وتنادي بالقضاء عليها، محتجين بأن الشعب الكويتي شعب جاهل لا يستحق الديموقراطية لأنه المسؤول عن اختيار أعضاء جاهلين بالديموقراطية ويسيؤون استخدامها ويكررون الاختيار الخاطئ أكثر من مرة، والحل الصائب من وجهة نظرهم تعطيل الديموقراطية حتى يرتفع مستوى الشعب الكويتي، ويصبح قادراً على التعاطي معها. ويقدم هؤلاء أنفسهم بكل غرور وعنجهية كخبراء في المجتمع والطبيعة البشرية. وكان الشعب الكويتي يعلم أن صاحب السمو بحكمته وحبه لوطنه وشعبه لن يلتفت إلى تلك الأصوات الشاذة التي تكره الشعب الكويتي وتستكثر عليه أن يتمتع بحقوقه المشروعة في وطنه، ومن ثم تجر المجتمع إلى حال من عدم الاستقرار وإلى نفق مظلم لا يعرف إلا الله كيف الخروج منه. لذلك لاقى الحل الذي اتخذه سموه رضا وترحيباً شعبياً ودولياً وأثنت عليه الإدارة الأميركية واعتبرته مؤشراً إضافياً على التزام الكويت بتقاليدها الديموقراطية الحيوية. ويتوقع كثير من اصحاب الرأي ألا تأتي نتائج الانتخابات المقبلة بمجلس أفضل أداء من المجلس المنحل، لذلك علينا أن نتوقع أن تأتي نتائج الانتخابات المقبلة بمجلس مشابه للمجلس السابق أو أسوأ منه، وان الممارسات السلبية التي حذر منها صاحب السمو والتي أدت إلى حل المجلس ستستمر وبصورة أشد سوءاً في المجلس القادم. ويرى البعض ان انحدار المجلس وتدني مستواه لم يحدثا عن طريق المصادفة، بل هناك أيد قوية تقاطعت مصالحها مع إفشال العمل الديموقراطي، فقامت بدور مهم في تدمير العمل النيابي والوصول بالمجلس إلى هذا المستوى ليكفر الجميع بالديموقراطية ويقتنعوا بأن ضررها أكثر من نفعها. 
وعلى الرغم من وجود بعض الظواهر السلبية في نظامنا الديموقراطي، فانه لا يوجد أمامنا خيار سوى الحفاظ عليها، لأن التخلي عنها يعني تسليم الدولة للنظام الفردي المستبد الذي عانت منه البشرية طويلاً وكافحت ضده، لأنه نظام فاشل يركز على مصالحه ومصالح المطبلين ويتجاهل حقوق الإنسان الطبيعية والتي لا يستغني عنها، وسيؤدي إلى تخلف المجتمع وتدهوره. ولكن علينا أن نحسن التعامل مع الظواهر السلبية في النظام الديموقراطي ونخفف من وطأتها، ومن أبرزها صراع القبائل والطوائف وهو من الأمور التي يصعب منعها أو التصدي لها بالقوة، ولا يجوز لأحد أن يضع نفسه فوقه، لأن من يريد أن يفعل ذلك، فكأنه يريد أن يضع نفسه فوق الدولة، وهذا الصراع قد يكون طبيعياً في المجتمع الديموقراطي ناتجا عن الحراك الاجتماعي ومحاولات القوى الاجتماعية المتنوعة أن تحصل على مراكز متقدمة في ذلك الحراك. فلا ينبغي المبالغة في التخوف منه، بل يمكن توجيهه إلى مصلحة عملية التقدم المرغوب، شريطة أن توجد حكومة قوية وأمينة وعادلة تحسن إدارة ذلك الصراع وتوجهه لمصلحة الدولة. كما يجب أن تكون إدارة مجلس الأمة قوية وحازمة وقادرة على ابتكار الوسائل القانونية الممكنة التي تمكنها من مواجهة الفوضى التي يثيرها بعض الأعضاء والتي تسيء إلى الديموقراطية. 


1/4/2009
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com