طرفة من شعراء الجاهلية، عاش ما بين 543 – 569م، أي انه مات وعمره 26 عاماً، وقبل 30 عاماً تقريبا من البعثة، وهو من أسبق الشعراء في الفن الشعري والاجادة فيه. لا يفضلون عليه سوى امرئ القيس، ويدللون على ذلك بالخصائص الفنية التي يجدونها، خصوصا في معلقته، التي تدعو إلى الاعجاب بما يتوافر فيها من سمات وملامح شاعرية. ولد في البحرين على الخليج العربي، وكان يسمى بطرفة البكري؛ لانتمائه الى بكر بن وائل وبكر من ربيعة. ظهرت عنده الموهبة الشعرية مبكرا؛ شأنه شأن الموهوبين من الشعراء الذين يتأثرون بالأحداث التي يمرون بها والمشاهد والمناظر التي يرونها ويعبرون عنها بلغة راقية.
مات والده وهو طفل صغير، فاستولى أعمامه على تركة والده. وكانت هذه عادة العرب قبل الإسلام؛ يحرمون الأطفال والنساء من الميراث بحجة أنهم لا يدافعون عن القبيلة. وشعر بالظلم الذي وقع عليه وعلى أمه، وكانت تسمى وردة، التي تركوها وصغارها تواجه الفقر والبؤس وحرموهم من ثروة عائلهم. وقال أبيات يهجو أعمامه وهو فتى صغير:
ما تنظرون في حق وردة فيكم
صغر البنون ورهط وردة غيب
قد يبعث الأمر العظيم صغيره
حتى تظل له الدماء تصبب
ففي هذه القصيدة يهجو أعمامه ويهددهم، ورأى أن هذا الظلم سيفرق بين العشيرة ويقطع أواصل الرحم. ونشأ الشاعر مسرفا على نفسه.. وبينما كان الشاعر يبحث عن مصدر للرزق نصحه خاله المتلمس بالذهاب إلى الحيرة، وكان يحكمها عمرو بن المنذر فأكرمهما وأحسن عطاءهما. ويروى أن طرفة هجا الملك أو تغزل بأخته فغضب عليهما وأراد أن ينتقم منهما، فكتب لهما لعامله على البحرين وقال لهما انطلقا إليه واقبضا جوائزكما. وارتاب المتلمس في الخطاب، وكل منهما قد هجاه. ففتح الخطاب وألقاه في النهر بعد أن عرف معناه. أما طرفة فرفض أن يفتح خطاب الملك وذهب يحمل حتفه في يده وقتل وعمره 26 عاما.
وبلغ عدد أبيات معلقته 105 أبيات. بدأها بذكر أطلال حبيبته خولة ووقوف أصحابه يواسونه. ثم وصف موكب حبيبته وخروجها من تلك المنازل واستغرق ذلك خمسة أبيات. ثم بدأ بوصف ناقته وأطنب في وصفها، استغرق 28 بيتا وصف كل عضو فيها. فوصفها بالقوة والسرعة وأنها تواصل السير بالليل والنهار لا تتعب. فشبه عرض عظامها بألواح الأران، أي التابوت، الذي يحمل سادة القوم. وشبه سرعتها بالنعامة وشبه علوها بقنطرة الرومي وعنقها بسكان السفينة. ثم ذكر أمانيه في الحياة والتي يعيش من أجلها وفلسفته في الحياة. وأن الموت لا يبقي ولا يذر ولا يفرق بين الأخيار والأشرار وعليه أن يتمتع في هذه الحياة القصيرة قبل أن يدركه الموت. وسنشير إلى بعض أبيات من معلقته، خاصة التي توضح فلسفته في الحياة وظلم أقاربه. وقال الدكتور طه حسين في كتابه الادب الجاهلي، إنه يحتاج للرجوع إلى المعاجم لفهم معاني الكثير من أبياته. فإذا كان هذا رأي هذا العالم بأسرار اللغة فكيف بالإنسان العادي؟ وقد يدل هذا على فهم الشاعر للغة ومفرداتها وقدرته على اختيار المفردات المناسبة للمعنى الذي يريده.
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وانفاقي طريفي ومتلد
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له
بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
