نتائج الانتخابات وجمود الديموقراطية الكويتية | رجوع
جاءت نتائج انتخابات 2008 مشابهة لنتائج الانتخابات السابقة فلم يؤد تعديل الدوائر من 25 الى 5 ولا مشاركة المرأة في الانتخابات الى ظهور مجلس يعالج الاحباط الذي اصاب غالبية الشعب الكويتي من اداء المجلس. لقد كانت غالبية الشعب مستاءة من انحدار مستوى النقاش في المجلس، واستخدام لغة العنف والتهديد غير المبرر والخارجة عن روح الادب في تخاطب بعض الاعضاء مع السلطة التنفيذية، وما يقدمه بعض الاعضاء من استجوابات غير مدروسة يغلب عليها الطابع الشخصي او التعسف في استعمال الحق الدستوري، وما يترتب على ذلك من احتقان بين السلطتين، وما يقدمه الاعضاء من مقترحات غير مدروسة وضارة بمستقبل الانسان والدولة، وخاصة من الناحية الاقتصادية، جريا وراء مكاسب شخصية او شعبية. لذا لاقى قرار حل المجلس قبولا لدى غالبية الشعب لا سيما الطبقة المثقفة، اعتقادا منهم ان ذلك المجلس كان يستحق ذلك الحل لان ضرره اصبح اكثر من نفعه، كما جاءت التشكيلة الحكومية مخيبة للآمال، داعمة للمحاصصة الطائفية والقبلية والعائلية ومبتعدة عن تشكيل روح الفريق الواحد، وقد تكون هذه الحكومة كسابقاتها عاجزة عن تكوين رؤية واضحة عن مشاكل الدولة، واسلوب موحد في معالجة تلك المشكلات والتعاون والانسجام في الدفاع عن تصوراتها وآرائها. فما اهم الاسباب التي تجعل القيادتين المهمتين التنفيذية والتشريعية عاجزتين عن اداء مهامهما على احسن وجه؟ لقد مر على تجربتنا الديموقراطية ما يقرب من نصف قرن، وفي كل مرة تأتي نتائج الانتخابات في مجلس اقل مستوى من الذي سبقه، وكذلك الحال بالنسبة للتشكيل الحكومي، فعلى الرغم من التغير الثقافي الذي تشهده الساحة الكويتية والعربية والدولية وما نجم عنه من نمو في عدد المتعلمين والمثقفين، وعلى الرغم من تطور وسائل الاعلام وما تطرحه من فكر وثقافة سياسية قد تساهم في تنمية الوعي السياسي، وعلى الرغم من اننا مررنا بتجارب كثيرة، بعضها كان قاسيا ومريرا، الا اننا لم نستفد من هذا كله في تطوير نظامنا الديموقراطي ومعالجة كثير من سلبياته. قد يكون تشكيل الاحزاب من اهم الوسائل في عملية الاصلاح السياسي، فيجب ان يكون الشعب الكويتي قادرا على تأسيس احزاب وتنظيمات سياسية وطنية ذات عمق جماهيري واسع، تستطيع ان تجذب اليها جماهير كبيرة من ابناء الشعب الكويتي من مختلف الاعمار والاطياف والجنس، يجتمعون تحت مظلة الحزب لخدمة الانسان والدولة بعيدين عن روح التعصب القبلي والمذهبي الطائفي المقيت الذي يساهم في تفكيك الدولة وتمزيق الوحدة الوطنية. ويجب ان تتبنى تلك الاحزاب مشاريع وطنية ذات ابعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، تتضمن كثيرا من مشكلات الدولة وتوضح تصوراتها في معالجة تلك المشكلات، وعلينا عندما نؤسس الاحزاب ان نستفيد من تجارب بعض الدول العربية والاسلامية التي تأسست فيها احزاب على اساس طائفي ومذهبي، وتحمس زعماء الطوائف لمعتقداتهم فأنشأوا ميليشيات مسلحة للدفاع عن مصالحهم وعقائدهم، ومن ثم ألغوا وجود الدولة وهيبتها واصبحت الدولة تحكم من قبل الميليشيات المسلحة. وقد يستغل اي غاز تلك الانقسامات ليشعل الفتنة بين تلك الاحزاب المتصارعة لاضعاف الدولة والهيمنة عليها. ولقد عرفت اوروبا مثل تلك الحرب الدينية واستمرت عقوداً في القرنين الـ16 والـ17 سواء بين البروتستانت والكاثوليك، او بين البروتستانت انفسهم الذين انشقوا الى طوائف واحزاب لوثرية وكالفنية وانجيلية، لقد اضعفت تلك الحروب أوروبا وضعضعتها وادت الى تفككها وانحلالها سياسيا ودينيا. يجب ان نستفيد من تلك التجارب عند تأسيس الاحزاب التي نرى انها ضرورية للاصلاح السياسي، لذا نأمل ان تصدر القوانين التي تسمح بتأسيس الاحزاب، على ان يحظر تأسيس الاحزاب على اساس ديني طائفي قبلي. ان اهم عمل يجب ان تقوم به تلك الاحزاب اخراج الشعب الكويتي من تقوقعه القبلي والطائفي ودمجه في مشروع وطني، وان تضع تلك الاحزاب قوانين واضحة لقبول اعضائها او شطبهم، وان يكون لديها برامج ومشاريع وطنية توضح من خلالها كيف ستسهم في بناء الدولة وتطويرها، ومعالجة قضايا التنمية والتعليم والاصلاح الإداري ومشاكل الفساد وان تجعل مصالح الدولة هي العليا وتبتعد عن المصالح الشخصية، وان تتنافس تلك الأحزاب في انتخابات حرة ونزيهة، ويختار الشعب منها من يقتنع بأفكاره وطروحاته، ومن ثم سيشكل الحزب الفائز الحكومة وسيقيم الشعب اداءه اثناء فترة حكمه، فاذا أثبت جدارة اعاد انتخابه، آمل ان يكون الشعب الكويتي قادرا على تأسيس مثل تلك الاحزاب الوطنية التي اصبح وجودها ضروريا للاصلاح السياسي والقضاء على سلبيات الديموقراطية الكويتية، وان تسمح الحكومة والظروف في نجاح تلك الاحزاب.
10/6/2008
|