الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
معاقبة طفلة وتأثيراتها | رجوع
تشهد الساحة السياسية الكويتية حدثا غير مسبوق في حياتنا السياسية، وهو تدخل مجموعة من اعضاء مجلس الامة في تحديد نوع العقوبة التي تستحقها طفلة في المرحلة المتوسطة. ومن الواجب ان نعرف ان العقاب داخل المؤسسات التربوية لا يقصد به انتقام من ابنائنا او بناتنا الطلبة، بل يهدف اولا واخيرا الى توجيه النصيحة لاطفالنا وشبابنا حتى تنمو شخصيتهم نموا سليما بعيدا عن الانحراف الخلقي والسلوكي، ولقد حظي موضوع العقاب التربوي باهتمام كبير، واجريت لمعالجة هذا الموضوع بحوث ودراسات مستفيضة، ورأى معظم فلاسفة التربية ورجال التعليم منذ العصور القديمة، وحتى العصر الحديث، ان الثواب افضل من العقاب، وان العقاب له آثاره السلبية في التربية، لذا يجب تجنبه والابتعاد عنه بقدر الامكان، وعدم اللجوء اليه الا في حالات نادرة. 
وشذ عن هذا الرأي رجال الدين، الذين سيطروا على التعليم والثقافة طيلة العصور الوسطى، ونظروا الى الانسان على اساس انه ذو طبيعة شريرة يجب استبدالها بطبيعة اخرى يصوغها رجل الدين والتربية، واتبعوا بموجب تصورهم الخاطئ للطبيعة الانسانية اساليب وآراء وافكارا شاذة في تربية الانسان ادت الى تخلف حضاري وثقافي عاشته اوروبا طيلة العصور الوسطى، وعرفت تلك الفترة في التاريخ بعصر الظلمات. 
في ضوء هذه المقدمة، اود ان اتناول موضوع الطفلة التي اخطأت وكتبت عبارات في كتاب الدين لا تليق بقيمنا ونظرتنا الى ديننا وتراثنا، ورأت الادارة المدرسية والتربوية ان تعالج الموضوع في ظل وجهة نظر يتم بموجبها توجيه النصائح لتلك الطفلة حتى تعدل سلوكها وتغيره، وهذا امر طبيعي حدث وسيحدث في كل المجتمعات، حدث لنا ولكثير من زملائنا اثناء تربيتنا ونحن اطفال. ووجدنا مربين افاضل اخذوا بأيدينا ووجهوا النصح لنا، فكان لنصائحهم الاثر البالغ في تعديل سلوكنا واخلاقنا. 
واود ان اضرب مثلا في حادثة حدثت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وسأروي معنى القصة بايجاز: جاء رجل اعرابي الى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بال في ساحة المسجد امام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وثار الصحابة لهذا العمل المشين، وارادوا ضرب الرجل وقتله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشخصيته المربية والكريمة طلب منهم ان يدعوه ليكمل بولته، وان يحثوا عليها التراب، ثم جلس مع الرجل يوجهه وينصحه حتى غير من سلوكه، ثم قال لاصحابه: مثلي ومثل صاحبي هذا كمثل رجل هاج بعيره وتجمع الناس حول البعير ليمسكوا بالبعير الهائج، وطلب منهم صاحب البعير ان يتركوا له بعيره، فاخذ حفنة من التراب يحثوه امام البعير حتى هدأ البعير وسكن، فلو تركت معالجة شأن البعير الهائج للناس لهلك البعير ولهلك معه خلق كثير، ولكن ترك الامر لانسان عليم بطبيعة ذلك المخلوق والتعامل معه فنجح في مهمته. 
كذلك معالجة موضوع الطفلة التي اخطأت والاطفال الذين تم الاعتداء عليهم، كان يجب ان يتم داخل اسوار المدرسة، المدرسة لديها اختصاصيون نفسيون واجتماعيون وتربويون، قادرون على معالجة مثل هذه المشاكل واصعب منها، ان مثل هذه المشاكل حدثت وتحدث في الكويت وغيرها من المجتمعات، وعولجت بهدوء داخل مؤسسات التعليم، بعيدا عن الضجيج والصخب الاعلامي غير المسؤول، لا شك ان التعاطي مع تلك القضايا التربوية بالصورة التي تمت بها، سواء داخل المجلس او في الندوات الليلية التي تجرى في الدواوين، ونشر ما يدور في تلك الندوات في الصحافة وعلى الصفحات الاولى، قد اساء لسمعتنا ولنظامنا التربوي ولسمعة الاسر التي تلوكها السنتهم في كل يوم، انه امر محير حقا، ونخشى ان تكون وراءه ايد قوية خفية، تجاهد لتجعله يستمر لتشعل الفتن في المجتمع، وتضرب الديموقراطية من داخلها.


1/23/2008
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com