من يشعل الفتنة في لبنان؟ | رجوع
الفتنة أكبر من القتل وأشد منه فتكا، إنها ترمي إلى زعزعة الاستقرار داخل المجتمع وتمزيق نسيجه الاجتماعي، من خلال تحريض أبناء المجتمع وتشجيعهم على الاقتتال وإدخالهم في صراعات داخلية، لإضعافهم ليسهل على من يشعل الفتنة السيطرة على المجتمع وتحقيق مآربه. إن أميركا هي التي تشعل الفتنة في لبنان والمنطقة العربية والإسلامية لتحقيق مشروعها الرامي إلى الهيمنة على المنطقة ونهب ثرواتها. ولعل ما تشهده الساحة اللبنانية من أخطار متمثلة في وجود مجتمع منقسم على ذاته، يصعب على أطرافه التوصل إلى حلول لمعالجة مشاكلهم عن طريق الحوار، لم يحدث عن طريق المصادفة بل نتيجة للعبث الأميركي الواضح في شؤون لبنان. وخير دليل على ذلك العبث نشاط سفيرها جيفري فيلتمان، الذي يشاهد حضوره المتكرر في كل مناسبة واقفا إلى جانب الأكثرية يحرضهم على عدم التفاهم مع إخوانهم في المعارضة. ويدل حديثه في 7/4 إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال على تدخله السافر في الشأن اللبناني، ويؤكد ما تدعيه المعارضة بأن السفارة الأميركية هي التي تدير فريق السلطة وتعطيه التعليمات. وكذلك الحال في مواقف مبعوثي الإدارة الأميركية إلى لبنان، والتصريحات التي تصدر من أركان الإدارة الأميركية في واشنطن، جميعها تصب في هذا الاتجاه. ومن الملاحظ انه منذ اغتيال رفيق الحريري والاغتيالات التي تلته والتفجيرات التي حدثت في لبنان، وأميركا لا تتوانى عن استغلال تلك الأحداث المؤلمة لإشعال مزيد من الحرائق في لبنان، والوقوف بقوة لإفشال أي تحرك يحاول مساعدة اللبنانيين على التفاهم، فاستغلت دم الحريري لإخراج القوات السورية من لبنان وإحداث شرخ عميق في العلاقات بين البلدين المتجاورين، واستغلت دم الجميل لتمرير إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، واستغلت اغتيال وليد عيدو وتفجيرات اليونيفيل لإفشال الموقف الفرنسي الجديد الذي يسعى إلى خلق توازن في العلاقات بين القوى اللبنانية ويبتعد عن موقف شيراك الشخصاني. وفي كل مرة توجه الاتهامات إلى سوريا من دون أدلة، ونرى رايس أثناء حضورها المؤتمر الدولي المنعقد في باريس في 2007/6/25 وبعد اجتماعها المطول مع السنيورة تتهم سوريا بالقيام بتلك التفجيرات للعبث باستقرار لبنان. وكذلك اتهم الرئيس السنيورة سوريا بأنها وراء التفجير الذي استهدف القوة الاسبانية. وكان الهدف من هذه الاتهامات تغيير الموقف الفرنسي الجديد تجاه سوريا ولبنان. والتركيز على مشكلة الحدود السورية - اللبنانية، لتدويل هذه المسألة والاتيان بقوى دولية وتعميق العداء بين الشعبين، وإفشال المساعي العربية لتكوين حكومة وحدة وطنية تحقق الاستقرار السياسي في لبنان. ومن المؤكد انه لا يوجد طرف لبناني معارض يحب أن يرتكب تلك الجرائم القذرة، فهي ليست من الطبيعة الأخلاقية وليس له مصلحة في ارتكابها، وليس لديه الإمكانات التي تمكنه من ارتكابها بهذه الدقة المتناهية. كما أن سوريا ليست من الغباء لتقوم بها لتعطي أعداءها سلاحا لمحاربتها، وهي تعرف ان المخابرات الأميركية قد تغلغلت في لبنان وتستطيع أن تكتشف من يرتكبها. ولكن الهدف من توجيه الاتهام السريع إلى سوريا ومن دون أدلة، هو التغطية على المجرم الحقيقي لتمكينه من ارتكاب مزيد من الجرائم، لصب الزيت على نار الفتنة المشتعلة في لبنان ليزيدها اشتعالا ولهيبا. حتى تحرق المقاومة اللبنانية وسلاحها. فالهدف الأساسي من إشعال الفتنة في لبنان هو القضاء على المقاومة اللبنانية الباسلة التي تمكنت من هزيمة إسرائيل وتتصدى بكل حزم لتمنع إلحاق لبنان بالمشروع الأميركي الإسرائيلي. إن هدف مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد هو جعل شعوب المنطقة ضعيفة وذليلة أمام الإرادة الأميركية والإسرائيلية. لا تستطيع أن تقاوم المخططات الأميركية - الإسرائيلية. ولكن هل تستطيع الإدارة الأميركية الفاشلة أن تحقق أهدافها؟ إن هذه الإدارة لن تستطيع أن تحقق أهدافها في المنطقة ليس لأنها إدارة فاشلة فحسب، وليس لأن آخر استطلاعات الرأي تكشف ان 45% من الشعب الأميركي يؤيد إقالة بوش لرعونته وتهوره ولأنه يقود البلاد إلى الدمار، ولأنه يخوض حروبا فاشلة غير أخلاقية وغير مبررة ولخدمة مصالح شركات النفط والسلاح والمال. بل لأن الأهم من ذلك أن شعوب المنطقة، كما أثبتت طوال تاريخها الطويل، لن ترضى بأن تبيع أرضها وشرفها للمحتل بل ستقاتله بشجاعة وبسالة حتى تتمكن من دحره. وأن سكوت المقاومة اللبنانية الباسلة عن تدخلات أميركا السافرة في الشأن اللبناني وسكوتها عن تجاوزات السلطة على الدستور اللبناني لا ينم عن ضعف في المقاومة، بل لحرصها على المحافظة على السلم اللبناني. ولكن عندما يبلغ السيل الزبى وتشعر المقاومة بأن التدخل أصبح يهدد أمن الأمة والوطن، عندئذ ستضطر للدفاع عن أمن الأمة، وستدرك أميركا حينئذ أن ما نسجته من مؤامرات أضعف من خيوط العنكبوت، وأن أدواتها في لبنان سينهارون بأسرع من وميض البرق، ولن ينفعها ما أنفقته من أموال طائلة ولا إعلام كاذب بل سيكون وبالا عليها بإذن الله.
12/7/2007
|