الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
الصراع بين الحكومة والمجلس : الأسباب والجذور | رجوع
كثيرا ما ادى التوتر بين المجلس والحكومة الى ظهور أزمات حادة بين السلطتين، افضت الى تزوير مجلس 67 وحل المجلس حلا غير دستوري عامي 76 و ،86 وتشكيل لجنة لتنقيح الدستور اثناء غياب المجلس والاتيان بالمجلس الوطني المخالف للدستور، الذي يتوافق مع التصورات التي ترضى عنها الحكومة للدور الذي ينبغي ان يقوم به المجلس. ثم حل المجلس حلا دستوريا في 99 و2006. ومنذ فترة سربت انباء تفيد بأن الحكومة ستحل المجلس حلا غير دستوري وستقدم على تنقيح الدستور اثناء فترة الحل لإزالة المواد التي تتسبب في إزعاجها، ثم ستأتي بمجلس شبيه بالمجلس الوطني ليوافق على تلك التعديلات لتصبح فيما بعد أمرا واقعا. 
ومن المبررات التي تبديها الحكومة عندما ترغب في حل المجلس، اتهامها إياه بعدم التعاون والتعسف في استخدام الأدوات الدستورية وعرقلة مشاريع القوانين التي تحتاج اليها الدولة، والخوف على ضياع هيبة الدولة وتفككها وعلى المصالح العامة نتيجة للمناقشات العقيمة التي يثيرها كثير من الاعضاء وما يقدمونه من مقترحات سطحية وضارة بمصالح الدولة وأمنها السياسي والاقتصادي، وتحاول الحكومة ان تخفي دوافعها الحقيقية التي تدفعها الى حل المجلس، وتكمن تلك الدوافع في كراهيتها للديموقراطية وخشيتها من تطورها ظنا منها ان الديموقراطية الحقيقية ستحرمها من الحفاظ على امتيازاتها وصلاحياتها غير الشرعية، وستعيد للشعب حقوقه الطبيعية في وطنه التي تحاول الحكومة حرمانه منها، كحقه في المشاركة السياسية الحقة التي تمكنه من اختيار الحكومة وتشكيلها بالصورة التي يرضى عنها ويراقب تصرفاتها ويحاسبها على اخطائها. 
وبالرجوع الى جذور الصراع المعروف في تجربة الكويت السياسية قبل الاستقلال، نجد ان هناك تشابها في المواقف، حيث تم حل المجلس الاستشاري 1921 بعد شهرين من تأسيسه، الذي اقترحه الكويتيون واشترطوا على الأسرة الحاكمة انهم لا يقبلون إلا بالحاكم الذي يوافق على تشكيل مجلس استشاري يتكون من بعض وجهاء الكويت ويهتم بتنظيم شؤون الحكم بالتشاور. كما تم حل المجلس التشريعي الاول عام 1938 بعد 6 اشهر من انتخابه لشعور الحكومة بأن المجلس يتدخل في صلاحياتها واختصاصاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، كما تم حل المجلس التشريعي الثاني عام 1939 بعد 3 اشهر من انتخابه، لتمسك الاعضاء بالدستور القديم ورفضهم التصديق على الدستور المقترح من الحاكم، الذي يريد ان يحول المجلس فيه الى مجرد مجلس استشاري يحق له الاعتراض على قرارته. 
ان الاسباب القديمة والحديثة واحدة ومتشابهة: حكومة لا تكتفي بالصلاحيات الواسعة التي اعطاها اياها الدستور، وجعلها رئيسة للسلطات الثلاث. بل ترغب في ان تتخطى ذلك لتمحو الصلاحيات التي منحها الدستور للشعب وتقضي عليها. انها لا تريد ان يكون للشعب حقوق في وطنه، وخصوصا حقه في المشاركة السياسية الحقيقية التي تمكنه من تشكيل الحكومة التي يرضى عنها، ويراقبها ويحاسبها على تصرفاتها في الاموال العامة وإدارة الدولة، ويحق له اقالتها إذا ثبت له فشلها. لذا نراها تخطط بصفة مستمرة لإفشال التجربة الديموقراطية ومنعها من الاستقرار ومحاربة الجهود التي تبذل لإنضاجها وزيادة الوعي بقيمها ومبادئها. وتصر على ان تأتي بمجلس صوري ضعيف تعين الحكومة اغلب اعضائه، ليصبح مؤسسة تابعة للجهاز التنفيذي ولا يمثل الشعب بحق، يفتقر الى الكثير من الصلاحيات والاختصاصات التي تجعل منه مؤسسة شعبية، اقامها الشعب لتكون حارسة على امواله وحقوقه، شبيها بالمجلس الوطني الذي ابتدعته ،1990 والذي اسقطه الغزو العراقي والتدخل الدولي الذي حرر الكويت واشترط العودة الى دستور 1962. 
كما يتحمل الشعب الكويتي مسؤولية كبيرة عن تعثر التجربة الديموقراطية، وعدم القدرة على اصلاحها وتطويرها، لانه لم يتمكن خلال هذا التاريخ الطويل من التجربة الديموقراطية من ان يؤسس تنظيمات واحزابا سياسية، ذات عمق جماهيري واسع، تناضل لنشر قيم الديموقراطية ومبادئها والتمسك بها. وان تتبنى تلك الاحزاب برامج سياسية واضحة المعالم ومحددة الاهداف، توضح من خلالها فلسفتها وتصوراتها حول الكثير من المشكلات التي تواجه الامة واساليب علاجها. ومن ثم يستطيع الشعب عن طريق تلك الاحزاب الوطنية الجادة ان يشارك مشاركة فاعلة في بناء الدولة ويحافظ على امنها ومستقبلها. ويكون قادرا على الإصلاح السياسي والإداري ومواجهة الفساد بجميع صوره ويؤسس قضاء مستقلا. 
ولكن بدلا من ان يندمج الشعب الكويتي في تنظيمات حزبية واسعة، تقوقع داخل تكتلات قبلية وطائفية، وافرزت تلك التكتلات الضيقة للانتخابات البرلمانية شخصيات ذات ابعاد قبلية طائفية، تدافع عن مصالح القبيلة والطائفة ولا تجيد الخطاب عن مصالح الأمة، لاشك ان التقوقع داخل القبيلة او الطائفة يعني كأننا نعيش المرحلة التاريخية التي سبقت قيام الدولة الوطنية، عندما كان بنو البشر يلتفون حول قبائلهم وطوائفهم يتعلمون منها سبل الحياة، لتوفر لهم سبل الأمن والطمأنينة. وقضى قيام الدولة الوطنية على ذلك، بعد ان اندمجت القبائل والعشائر والطوائف وتوحدت داخل كيان الدولة الموحدة التي يخضع الجميع لقوانينها ويدافعون عن وحدتها ومصالحها. 
ان العودة للقبيلة والطائفة تعني الرجوع الى الوراء، الى تفكك الدولة وضياعها. ولعل هذا يفسر لنا الاسباب التي تجعل المناقشات داخل المجلس تتسم بالعقم وقلة الفائدة، معتمدة على الصراخ وتهييج الجماهير والتهجم على الوزراء بمبرر ومن دون مبرر، بألفاظ نابية ولغة خالية من المنطق والعقل وعفة اللسان. كما يتسم معظم ما يقدمه الاعضاء من مقترحات بالجهل والسطحية، كالمطالبة بإسقاط القروض وفواتير الكهرباء والماء. وسيؤدي تنفيذها الى تدمير الدولة ماديا ومعنويا. وتدمير الإنسان وتحويله الى مواطن فاشل. لا يلتزم بقانون ولا يتقبل ان يساهم في بناء الدولة بماله وجهده. ينظر الى الدولة كأنها بقرة حلوب يحلبها متى شاء، لكنه يرفض ان يقدم اليها الغذاء والرعاية، ليتركها مريضة عجفاء عاجزة عن الحركة. 
لهذا لم نستفد فائدة كبيرة من تدفق الثروة النفطية على ارضنا، تلك الثروة التي تعتمد عليها الحضارة الحديثة، لقد انقضى على وجود هذه الثروة لدينا اكثر من نصف قرن . كان بالإمكان خلاله ان نبني مجتمعا قويا، نؤمن فيه مستقبلا قويا ومشرقا لأبنائنا وأحفادنا ليعيشوا حياة كريمة مستقرة بعد نضوب النفط. وهي مرحلة قادمة لا مناص منها. وقد تكون قريبة، وقد حددت معظم الدول المتقدمة زوال النفط خلال ال 50 عاما القادمة، وهي تخطط لكيفية العيش بعده لتحافظ على حضارتها وتقدمها. ولكن هل خطط الكويتيون كيف سيعيشون بعد النفط؟ هل فكروا في الصعوبات التي ستواجههم وكيف سيتغلبون عليها؟ انهم قد يواجهون صعوبة حتى في توفير المياه العذبة لبلادهم. لأن صناعة تحلية المياه تعتمد اساسا على الطاقة، وقد تكون الطاقة النووية هي الطاقة البديلة في المستقبل، وهم لا يمتلكونها. وقد يكلف استيرادها ملايين الدولارات التي لن يستطيعوا توفيرها في تلك الفترة. فهل بالإمكان ان يحيا مجتمع بلا مياه؟! 
من المستحيل التخطيط لمستقبل أفضل في ظل واقع مريض، تتخبط فيه الحكومة والمجلس وهما القيادتان السياسيتان المهمتان في الدولة، تسيران بلا هدى ولا نور، ليس لديهما مشروع وطني واضح لبناء مجتمع قوي وشعب واع يتحمل المسؤولية وقادر على التضحية والفداء.


8/1/2007
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com