من سيحصد شرور الإدارة الأميركية؟ | رجوع
من يزرع الريح لا يحصد الا العاصفة، ومن يزرع النار لا يحصد الا الهشيمِ ولكن بكل اسف ان الادارة الاميركية لن تحصد وحدها بذور الشر التي غرستها في المنطقة، بل ستكون شعوب المنطقة ومنظومتها الامنية المتضرر الاكبر من نتائج الحروب القذرة التي تشنها اميركا على المنطقةِ قد تخسر اميركا آلافا من جنودها ومليارات من اموالها، وقد تخسر سمعتها وتتنامى كراهية شعوب العالم تجاههاِ ولكن هذه الادارة المهووسة في حب الحروب والمتعطشة لسفك الدماء على استعداد للتضحية بأكثر من ذلك لتحقيق اهدافها الشريرةِ ومن يطلع على وثيقة استراتيجية الامن القومي الاميركي 2006 فانه سيجد انها تكرر نهج استراتيجية 2002 التي سبقت غزو العراقِ فهي تزعم ان اميركا في حالة حرب طويلة مع الارهاب، لذلك ستتبنى خيار الحرب الاستباقيةِ وبررت الحرب على العراق، ووسعت اطراف محور الشر لتشمل سوريا وكوبا وروسيا البيضاء وبورما وايران وكوريا الشماليةِ كما طالبت روسيا والصين بضرورة الالتزام بالديموقراطية ومراعاة حقوق الانسان، وحذرت شعوب اميركا اللاتينية من الانسياق وراء الدعوات المضادة للسوق الحرة. وهكذا، اصبحت معظم دول العالم مهددة من هذه الادارة المتغطرسة ومتهمة بأنها مذنبة، ولا يوجد طاهر منزه وخال من العيوب سواها، متجاهلة الانتقادات التي توجه الى سياساتها حتى من داخل الفكر الاميركي، والتي تنتقد ما ترتكبه من جرائم ومجازر وحشية في العراق وافغانستان وتعذيبها السجناء، ودعمها الواضح لجرائم اسرائيلِ لقد دلت التظاهرات العدائية التي واجهت بوش اثناء زيارته لدول آسيا واميركا اللاتينية وتراجع شعبيته داخل بلاده على ان شعوب العالم اصبحت كارهة لسياساته الاجراميةِ كما اكدت ذلك بوضوح مظاهر الترحيب التي قوبل بها الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز المناهض للهيمنة الاميركية اثناء زيارته للندن في منتصف شهر مايو بدعوة من عمدتهاِ واضطرت رايس امام التظاهرات المعادية الضخمة التي واجهتها في بريطانيا للاعتراف بأن اميركا ارتكبت آلاف الاخطاءِ ولكن سرعان ما رد عليها رامسفيلد وزير الحرب المتعجرف، واتهمها بأنها غير متفهمة لاستراتيجية اميركا الحقيقية في العراقِ اي انه اراد ان يؤكد ان خلق الفوضى وعدم الاستقرار في العراق هما سياسة متعمدة ومخطط لهماِ فحل الجيش النظامي وتقويض عرى الدولة وتسليم مقاليد الحكم لمجموعات سياسية لا يرتبطون بالعراق الا بروابط واهية ومعظمهم لا يحمل الجنسية العراقية، وبناء نظام الدولة على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية، ودعم التوجهات الفدرالية التي ستؤدي الى تقسيم العراق، الى غير ذلك من الامور التي يعتقد البعض انها اخطاء وقع فيها الاحتلالِِ لكنها في الحقيقة سياسة متعمدة لزرع بذور الفتن الطائفية ولدفع العراقيين للوقوع في حرب اهلية. ويعبر دانيال باييس عن ذلك احسن تعبير في مقال مطول نشره في 'نيويورك صن'، وهو احد المستشارين للرئيس بوش، يقول 'ان الحرب الاهلية قد تكون كارثة بشرية، ولكنها بالنسبة لأميركا بركة استراتيجيةِ يجب عدم اخمادها، بل من الضروري تطويرها ونقلها الى بلدان الجوار، وتحريض العرب والمسلمين على قتل بعضهم بعضا لتسيطر اميركا على بلادهم وخيراتهم، اضافة الى ان انشغال العراقيين بالحرب الاهلية سيخفف الضغط على القوات الاميركية وسيبرر بقاءها، اذ سيطلب كل طرف النجدة من القوات الاميركية ضد الطرف الآخرِ وستتمكن اميركا عن طريق تلك الحرب من تشويه صورة المقاومة الوطنية عن طريق ترويج بعض المصطلحات كوصفهم بأنهم بقايا نظام صدام الطاغية، او ناشطو القاعدة الارهابيون، وغير ذلك من المصطلحات والممارسات التي يجب نسبها للمقاومة لطمس معالمها الوطنية وترويع السكان من نشاطها واتهامها بالعنصرية. اذا، من الواجب التأكيد عليه وكشفه ان الارهاب في العراق والحرب الاهلية ما هي الا صناعة اميركية خطط لها خبراء تدربوا على ايدي فرقه الاستخباراتية، ولأميركا تجاربها الكبيرة في هذا المجال، منها برنامج فينكس في فيتنام ونغروبونتي في السلفادور وهندوراس ونيكارغواِ ان ما يجري في العراق نسخة مكررة لما حدث في فيتنام واميركا اللاتينيةِ لقد كثر تفجير المفخخات في الاسواق والاماكن الشعبية ودور العبادة السنية والشيعية. ان ما نريد ان نصل اليه هو ان احتلال العراق كان هدفا استراتيجيا لليمين الاميركي المتطرف، الذي كان يخطط ويحلم بقيام امبراطورية اميركية عظمى تنفرد بالتحكم في مصير العالم، ورأى فلاسفة ومنظرو ذلك الحلم ان احتلال العراق سيكون المفتاح الذي سيمكنهم من السيطرة على منطقة الشرق الاوسط بثرواتها وموقعها الاستراتيجي، ومن ثم سيتم الانطلاق منه للهيمنة والتحكم في دول العالم، لذلك شاهدنا بوش قبل ثلاث سنوات بعد سقوط بغداد على متن البارجة الاميركية يرقص فرحا، وهو يخاطب مستمعيه ليعلن الانتصار وانه انجز المهمة، وان المعارك قد انتهت واصبحت منطقة الشرق الاوسط من افغانستان الى المغرب تحت السيطرة الاميركيةِولكنهم فوجئوا بالمقاومة العراقية الباسلة توشك ان تعرقل مشروعهم وحلمهم الامبراطوري، عندئذ قرروا اتباع شتى الوسائل الوحشية والاجرامية لسحقها وقمعها، والاميركيون مشهود لهم بابتكار الاساليب الوحشية ضد الخصومِ كما انهم مشهورون بانهم لا يتعظون بالعبر والدروس السابقة لاقتناعهم باستثنائية اميركا لذلك لا يأبهون لما حدث في الماضي لهم او لبلدان اخرىِ وبما ان الرئيس بوش يعتقد ان قراراته نابعة عن افكار ايمانية وانه ينفذ ارادة الله وانه لا يستطيع التراجع عن قراراته لان ارادة الرب لم تقتض ذلكِ وهناك من يصور ويزين له ان لا خيار امامه سوى المضي قدما في المشروع الامبراطوري مهما كلف من تضحيات، لان التراجع سيكلفهم اكثرِ لذا قرروا ان يكون احتلالهم للعراق طويلا ورفضوا تقديم جدول للانسحاب، وقرروا استخدام اساليب الوحشية لمن يعرقل هذه الاهداف، ومن تلك الاساليب شن الحملات والغارات الوحشية لتدمير المدن وقتل آلاف الابرياء واعتقال آلاف اخرين وشن حرب إعلامية نفسية لتحسين صورة المحتل وتشويه سمعة المقاومة وشق صف الشعب العراقي وتمزيق وحدته عن طريق اتباع سياسة 'فرق تسد'. ان ما نخشاه ان يقع العراقيون في الفخ الاميركي، يعادي بعضهم بعضا ويتناسون عدوهم الحقيقي الذي احتل بلادهمِ لقد مهد السفير الاميركي زلماي خليل زادة لتلك الحرب عندما اعترض على حكومة الجعفري ووزير داخليته متهمهم بالتعصب الطائفي وتشكيل فرق الموت لقتل السنة، ليتظاهر امام السنة بانه يحميهم من الشيعة المتعصبينِ ثم كثرت التفجيرات في احياء سنية وشيعية فتنامت العداوة والضغينة بين ابناء الشعب الواحد. واختفت المظاهر التي نشاهدها في بداية الاحتلال التي كانت تجمع الشيعة والسنة متوحدين ضد الاحتلال واطماعه، ان الذي يجب ان يبقى محفورا في ذاكرة العراقيين وابناء الامة العربية والاسلامية هو ان احتلال العراق والغاء استقلاله وحريته هو الجريمة الكبرى، وان المحتل هو من قتل اكثر من 150 ألفا من الابرياء وهو الذي اعتقل آلافا من ابناء الشعب واهانهم وارتكب الافعال البربرية والهمجية ضدهمِ وهو الذي دمر واحرق مدن العراق ودفع البلاد للتقاسم الاثني والطائفي، والاهم من ذلك يجب ألا ينسى الدور الخياني والمحوري لمعظم الانظمة العربية التي تعاونت ومازالت تتعاون مع المحتل لتعينه على انجاح مشاريعه الشريرةِ ان هذه الظروف الحرجة تحتم ظهور قيادات وطنية واعية ومخلصة وشجاعة وخاصة في العراقِ لتتمكن من تطهير العراق اولا من المحتل واعوانهِ وتحرير الامة من تلك الانظمة المشؤومة التي لم تخجل من ان تسمي الاحتلال تحريرا وتزعم ان بقاءه ضروري وخروجه يمثل كارثة ومصيبةِ لا شك ان استمرار وجود مثل هذه الانظمة لتحكم الامة هو الذي يمثل كارثة ومصيبة لها وعارا في جبينها.
6/19/2006
|