انتخاب 'حماس' مرحلة جديدة من مراحل الكفاح الفلسطيني | رجوع
مضى على اغتصاب فلسطين اكثر من نصف قرن عرف خلالها الشعب الفلسطيني انواعا من القهر والعذاب لم يعرفها شعب آخرِ وبرزت خلال تلك الفترة منظمات فلسطينية تناضل لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني. وتشكل من تلك المنظمات منظمة التحرير الفلسطينيةِ وظلت منظمة التحرير ترفض الاعتراف بإسرائيل، ولكن بعد اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من المعركة، ظهر واقع عربي سيئ اجبر عرفات ان يعلن في جنيف 13/12/88 قبول منظمة التحرير بالقرار 242 الذي ينص على حق كل دولة من دول المنطقة العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ويطالب اسرائيل بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها عام 67، وقررت اميركا فتح حوار مباشر مع الفلسطينيين، الذي مهد الطريق لمؤتمر مدريد 91، ثم اتفاقية أوسلو 93، التي وقع فيها عرفات الاعتراف باسرائيل والغاء ميثاق المنظمة الذي ينادي بتدمير اسرائيل وتحرير جميع التراب الفلسطيني من البحر الى النهر، والاكتفاء باسترجاع الاراضي المحتلة في 67 . وهكذا ابدى الفلسطينيون رغبة مخلصة لتحقيق سلام عادلِ وتم الاتفاق تحت رعاية اميركية وحضره الرئيس الاميركي بصفته راعيا لذلك الاتفاق وشاهدا على بنودهِ فماذا جنى الفلسطينيون من ذلك الاتفاق بعد أن منحوه أكثر من عشر سنوات لتحقيقه وتنفيذ بنوده؟ اغتال الاسرائيليون رابين الذي وقع الاتفاق وفرضوا واقعا مذلا ومهينا على الشعب الفلسطيني وتعاملوا مع رموز السلطة بغطرسة وعنجهية واحتقارِ واستولوا على اجزاء كبيرة من اراضي الضفة التي كان يحلم الفلسطينيون ان يقيموا عليها دولتهم فيما تبقى من وطنهم السليب. وفي تقرير قدمه خبير الأمم المتحدة جون دو غارد 25/1/2006، يصف فيه المآسي التي يواجهها الشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي من مذابح ومجازر وتدمير البيوت والاشجار والمحاصيل الزراعية والاستمرار في بناء الجدار العنصري العازل الذي طالبت المحكمة الدولية بإلغائه في 2004، والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية. ويرى التقرير ان خارطة الطريق أنهتها اسرائيل ولن يتركوا اراضي للتفاوضِ ويتفق هذا التقرير في مجمله مع الرسائل التي كتبتها الضحية الأميركية الشابة راشيل كوري التي طحنتها الجرافات الاسرائيلية عندما تصدت بجسدها الطاهر وروحها النبيلة لتلك الجرافات لتمنعها من هدم البيوت وقتل الأبرياء. في وسط هذه الظروف الحالكة الظلام انتخب الشعب الفلسطيني المظلوم مرشحي حماس وهو على وعي ببرنامجها الانتخابي ليقودوا هذا الشعب في صراعه مع عدو لا يعرف رحمة ولا شفقة، ليقودوه الى مستقبل مظلم غير محدد الابعاد والنتائجِ اختار الشعب الفلسطيني 'حماس' تلك المنظمة التي ولدت وترعرعت داخل الاراضي المحتلة وقدمت الشهداء من شبابها وقيادييها، لأنها نأت بنفسها عن التنازلات المجانية التي تقدم للكيان الصهيوني ولأنها متمسكة بخيار المقاومة ولأنها الأنقى والأنزه والأكثر نضجا ووعيا وتمسكا بقيم الأمة ومبادئها. وبعد فوز حماس كشرت الادارة الاميركية أنيابها المتوحشة في وجه الارادة الفلسطينية لسحقهاِ فأعلنت اسرائيل ان السلطة الفلسطينية اصبحت كيانا معاديا لاسرائيل وانها ستتخذ قرارات احادية الجانب بما يتفق مع مصلحة اسرائيل وأمنها لعدم وجود شريك فلسطينيِ اما واشنطن فقد طالبت السلطة الفلسطينية باعادة مبلغ 50 مليون دولار كانت قد قدمتها قبل فوز حماس كمساعدة للفلسطينيين وطالبت الدول الاخرى بعدم التعامل مع حكومة حماس وعدم تقديم أي مساعدات مالية لها حتى تتخلى عن سلاح المقاومة وتعترف بإسرائيل وتوافق على الاتفاقيات السابقة بين السلطة واسرائيل التي لم تحترمها اسرائيل وماطلت في تنفيذ بنودهاِ وجاءت رايس الى مصر والسعودية والامارات لتأمر حكوماتها بعدم مد أي معونات مالية لحكومة حماس حتى تستجيب للاملاءات الاميركية الاسرائيلية، وحذرت ايران وبعض دول المنطقة من تقديم اي مساعدات لحكومة حماس لتعويضها عن خسارتها من المساعدات الغربيةِ وهكذا تسخر اميركا الدولة العظمى بلا خجل ولا حياء كل نفوذها وامكاناتها لمحاصرة وتجويع شعب فقير وضعيف ومظلومِ وقد حذر الرئيس كارتر في مقال في 'الواشنطن بوست' من معاقبة الشعب الفلسطيني لأن ذلك سيسبب نفورا لدى الفلسطينيين الابرياء والمظلومين اصلاِ ورأى ان انتخاب حماس لن يؤثر سلبا في محادثات السلام الفعلية فهي متوقفة منذ اكثر من خمس سنوات للمماطلات الاسرائيلية. وفي دراسة اجريت في جامعة هارفارد تحت عنوان 'اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الاميركية' تصف عمل اللوبي الاسرائيلي بالجريمة لأن اغلب مجموعاته تعمل لتوظيف الدبلوماسية الاميركية في خدمة اسرائيل مما يعرض الامن الاميركي للخطر. وفي منتصف مارس اعلن اولمرت رسم حدود اسرائيل النهائية بحلول 2010 من جانب واحد، ودون التطرق لخارطة الطريقِ وفي الخريطة التي حددها يريد ان يصادر معظم اراضي الضفة لاقامة المستوطنات الجديدة، كما قررت اسرائيل ضم منطقة غور الاردن لجعلها منطقة عازلةِ كما اقتطعت من قبل اكثر من ثلث قطاع غزة واعتبرته منطقة آمنةِ وفي 5/4 قررت اسرائيل تحويل حاجز قلنديا، المدخل الرئيسي للقدس الى معبر دولي وبوابة حدود نهائيةِ للتأكيد على ضم القدس الشرقية وخنق سكانها وجعلها عاصمة أبدية لاسرائيلِ وأعلن شمعون بيريس انه سيسافر الى الفاتيكان لاقناع البابا بمقاطعة حكومة حماسِ وقررت كندا قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينيةِ اما اللجنة الرباعية الدولية للوساطة في الشرق الاوسط، فقد اعلنت في بيان مشترك بعد فوز حماس بثقة البرلمان الفلسطيني، انها لاحظت بقلق ان الحكومة الفلسطينية الجديدة لم تلتزم بالمبادئ التي تم تحديدها في 30 يناير، لذا ستتأثر المساعدات المباشرة لتلك الحكومة. اما على الساحة الفلسطينية فقد انتقدت منظمة فتح برنامج الحكومة الجديدة ووصفته بالغموض وعدم الوضوح في البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعيِ ولا يساعد في الابقاء على الدعم المالي للسلطة، وانه لا يرضي الشرعية العربية والدوليةِ وكشف محمود عباس انه اقترح على نظرائه الاسرائيليين اجراء مفاوضات سرية للتوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، اعتقادا منه انها اكثر نجاحا في الوصول الى تسوية سلمية، والتقى محمود عباس وبعض المسؤولين الفلسطينيين من غير حكومة حماس في عمان مع ديفيد ولش واليوت ابرامز المبعوثين الاميركيين الى اللجنة الرباعية، كما التقى ابرامز في رام الله مع صائب عريقات وسلام فياض وزير المالية السابق، وابدت حماس انزعاجها من تلك اللقاءات وقالت ان موافقة أي مسؤول فلسطيني على اللقاء مع مسؤولي الادارة الاميركية يمثل اتساقا مع السياسة الاميركية المعلنة الهادفة الى فرض حصار على الحكومة الفلسطينية الجديدة. اما على الصعيد العربي، فبالرغم من سياسة اسرائيل الواضحة في عدائها وتحديها للحقوق العربية الفلسطينية، فقد اتضح من خلال زيارة وفد حماس ان بعض رؤساء المنطقة رفض مقابلة الوفد، اما معظم من قابلهم فقد نصحهم بالواقعية والرضوخ للشروط الاميركية والاسرائيلية، وسلطوا عليهم بعض الاقلام المأجورة في صحافتهم الهابطة ليصفوهم بأنهم ارهابيون وشحاتون جاءوا لطلب المالِ وشذ عن هؤلاء ايران وسوريا وحزب الله والسودان والحكومة التركية. هذا هو الواقع المر الذي تواجهه حماس بعد فوزهاِ انها تواجه تحالفا عالميا تقوده اميركا ضدها وضد الشعب الفلسطيني، من المؤكد ان الشعب الفلسطيني سيتضرر من قطع المساعدات المالية عنه، قد يجوع ولكن عليه ان يدرك انه لا فائدة من اموال تأتي من اعداء صنعوا اسرائيل ويتفانون في الدفاع عنها، لذا فانه سيتضرر بصورة اكبر اذا رضخ للشروط الاميركية - الاسرائيلية، لانه سيخسر ارضه وكرامته وحريته، فقد اتضح من خلال المفاوضات التي ترعاها اميركا، طيلة ال 13 عاما المنصرمةِ ان اميركا، لا سيما بقيادة الادارة اليمينية المتطرفة، اشد عداوة للعرب والمسلمين من الاسرائيليين، انها تريد اطالة امد المفاوضات لتحقيق مزيد من التنازلات، انها تريد الضفة الغربية بلا سكان، لذلك اعلنت انها ستدعم الحل الاحادي الذي قدمه اولمرت الذي سيبتلع بموجبه معظم ارض الضفة، ويترك للفلسطينيين مدنا وقرى ومخيمات معزولة وكأنهم في سجون جماعية سيسهل ابتلاعها في المستقبل، لذا ليس امام الشعب الفلسطيني من خيار سوى استمرار الانتفاضة للدفاع عن حقوقه المشروعة، وليتأكد الشعب الفلسطيني انه اذا استمر في كفاحه بصورة جادة فان الشعوب العربية والاسلامية لن تسكت طويلا عن الانظمة الفاسدة التي تخدم المشاريع الصهيونية المدمرة للأمة. |