الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
قراءة في كتاب 'حياة محمد مؤسس الدين الإسلامي وإمبراطورية السارزان'. افتراءات في المضمون وتأثيره في الواقع الاميركي (3-3) | رجوع
بينا في المقالين السابقين، ان هذا الكتاب الف عام 1830 ومؤلفة جورج بوش، يقال انه الجد الخامس للرئيس بوش، وسنشير في هذا المقال الى بعض ما تضمنه هذا الكتاب من افتراءات على الاسلام ونبيه ليشوه صورة الاسلام، ويغرس بذور الحقد والكراهية ضد العرب والمسلمين، ويحرض على محاربة هذه الامة وتدميرهاِِ جاعلا من تدميرها هدفا دينيا ارضاء للرب، ومدى انعكاس هذه الافكار في الواقع الاميركي. 
ويتجلى حقده من العنوان الذي يعطي فيه انطباعا بأن الاسلام ليس دينا موحى به، بل هو مشروع خطط له محمد ليؤسس هذه الامبراطورية ويسميها 'امبراطورية السارزان' وهي كلمة اطلقها الرومان على الاجناس غير الرومانية احتقارا لهم واطلقها الاوروبيون على العرب والمسلمين اثناء الحروب الصليبية ويعنون بها البرابرة واللصوصِ وفي وصفه للاسلام بالامبراطورية يريد ان ينتزع منه صفات الخير والفضائل التي جاء ليبشر بها، ويخلع عليه جميع صفات الشر التي تتميز بها الامبراطوريات التي قامت عبر التاريخ. 
ويحاول في هذا الكتاب ان يؤكد مزاعمه التي يدعي فيها ان محمدا ليس نبيا بل مدع للنبوة، وان ما جاء به من قرآن ونسبه الى الله هو من تأليفه، وخال من اي حكمة إلهية، بل جاء ليحقق طموحه واطماعه، من ذلك زعمه بأن محمدا اخفى معرفته القراءة والكتابة حتى لا يتشكك احد في دينه، وليثبت ان ما يأتي به هو من عند الله، إذ لايعقل لشخص امي ان يأتي بما يأتي به من علم وفضائل ومكارم الاخلاق، كما يدعي ان محمدا لما وصل المدينة وجه اتباعه عند الصلاة نحو بيت المقدس، وعزم ان يجعلها مركزا للحضارة الاسلامية ومكانا يحج اليها اتباعه ارضاء لليهود، ولكن لما وجدهم عنيدين ولم يتجاوبوا معه غير اتجاه القبلة الى الكعبة ليؤلف بين المسلمين وغيرهم من العرب الذين يوقرون الكعبة، كما يزعم ان محمدا استغل الوحي ليجيز لنفسه ما يشاء من تعدد الزوجات ارضاء لشهواته، ويردد ما قاله المنافقون واصحاب الافك عن عائشة (رضي الله عنها)، وعن زواجه بزينب (رضي الله عنها) طليقة ابنه بالتبني، ساخرا من الوحي قائلا ان جبريل يأتي دائما بالآيات لتحل المشاكل بالطريقة التي يريدها محمد. 
ويرى ان محمدا كان في مكة يدعو الى دينه بالحسنى معتمدا على الاقناع ولم يسمح باللجوء الى العنف لانه كان واتباعه ضعفاءِ ولكن وبعد ان اصبح في المدينة قويا اعلن ان الله سمح لهم بالدفاع عن انفسهم بقوة السلاحِ واذن له بالقضاء على الوثنية وفرض دينه بالسيف، ويقول ان السور التي نزلت في المدينة مليئة بهذه الروح الدموية، التي جعلت هذا النبي يخوض اكثر من 27 معركة يتنقل من مذبحة الى اخرى ومن مشهد دموي الى آخر حاملا دعاوى الدين وعباءته ليغطي طموحاته التي لا حد لها، وكان المبدأ الذي رفعته جيوشهم القرآن او الموت، او دفع الجزية، وتم اجبار اتباع اي دين غير الاسلام على دفع ضريبة سنوية غرامة على كفرهم، ويقول عن القرآن بأنه الدستور السياسي لمحمد الذي يهتدي بهديه، ويحتوي على التعاليم الدينية والاوامر والنواهي التي استأصل بها المسلمون المبشرين بالانجيل وحولوا الى الاسلام خلقا كثيرا بحد السيف، ويزعم ان محمدا هو ابن الخطيئة التي تنبأت به كتبهم الدينية، التي تنبأت بان المجيء الثاني للمسيح لا يحدث حتى يظهر ابن الخطيئة ويعلو شأنه ويجلس في هيكل الله، ويعزو انتصار الاسلام الى فساد الكنيسة التي كانت عند ظهور محمد في ذروة الفساد ويرى ان ما حققه محمد من انتصارات كانت قضاء وقدرا وفوق مستوى الفهم البشري، اذ حقق واتباعه انتصارات خلال 50 عاما، لم تستطع الامبراطورية الرومانية ان تحققها خلال ثمانية قرون، فالله اراد ان ينتصر هذا الضلال ويخضع المسيحية للطغيان المحمدي لتفيق من ضلالها، وينتظر بوش واليمين المسيحي المتطرف المجيء الثاني للمسيح في بداية كل ألفية. 
وهكذا صور الاسلام ونبيه بصورة بشعة، بعيدة عن روح منهج البحث العلمي التي كان يجب ان يتحلى بها، لا سيما انه جعل هذا الكتاب مقررا جامعيا، فتعمد ان يخفي الجوانب المضيئة لرسول الرحمة ويقدمه بهذه الصورة المتوحشة، ومن الصعوبة استعراض جميع ما طرحه من افتراءات والرد عليها، ان الهدف من هذا المقال اعطاء فكرة موجزة عن هذا الفكر الذي يحتقر الآخر، ويسعى الى اشعال الحروب، وتلمس آثاره في الواقع، اذ ليس من الحكمة الاستغراق في الماضي وتجاهل الحاضر، فلو لم يكن لهذا الفكر تأثيراته في الواقع لما اجهدنا انفسنا في البحث فيه، فهذا الفكر المريض الذي يحتقر الديانات، ولا يبالي بتعذيب الشعوب وابادتها والذي يعبر عنه هذا الكتاب افضل تعبير، هو امتداد لفكر المحاربين القدامى الذين سيطروا على اميركا وقرروا ابادة سكان القارة الاصليين، ثم انتقلوا الى اميركا اللاتينية فاعتبروها فناءهم او حديقتهم الخلفية فدمروا حكمها الوطني ونصبوا انظمة دكتاتورية تدين لهم بالولاء، وتسمح لشركاتهم التي اسموها عابرة القارات لتسيطر على ثروات تلك الشعوب وتنهبها، ثم تسللوا الى اوروبا وأشعلوا الحروب طيلة القرنين ال19 وال20 راح ضحيتها ملايين البشر، وهو الفكر نفسه الذي مهد لظهور فكر المحافظين الجدد المسيطرين على الادارة الاميركية الراهنة التي تشن حرب ابادة دينية عنصرية ضد الامة العربية والاسلامية، بتحريض وتخطيط من المحافظين الجدد ورجال المال، ويؤكد العديد من الوثائق انهم خططوا للاستيلاء على المنطقة قبل احداث ال11/9 لاسباب استراتيجية واقتصادية وعقائدية، اما ما يردده بوش وادارته اليمينية المتطرفة من ادعاءات بما يسميه حربا على الارهاب او لنشر القيم الديموقراطية، ما هي الا ذرائع لتغطية الاهداف الحقيقية القذرة لهذه الحرب، ويعبر القس بات روبرتسون عن ذلك أحسن تعبير، وهو يصف أسباب مرض شارون الاخيرِ اثناء حديثه في برنامجه التلفزيوني اليومي نادي 700، قائلا: ان الرب غضب على شارون لأنه تطاول على حق الرب في تملك تلك الارض المقدسةِ ثم يحذر الرئيس الاسرائىلي المقبل قائلا: الويل لك اذا حاولت ان تفعل ما فعله شارونِ ان ما قاله يلغي دور الامم المتحدة وقراراتها الدوليةِ انه يزعم ان ارض غزة والضفة اراض مقدسة للرب لا يحق للشعب الفلسطيني الذي عاش فوقها آلاف السنين ان يسكنها، بل يجب محاربته وابادته واخراجه منها تماما المبررات نفسها التي قيلت لإبادة الهنود، لو قال مثل هذا القول رجل دين عربي او مسلم لاعتبروه دعوة للارهاب وحولوا الدولة التي ينتمي اليها الى مجلس الامن لينزلوا عليها اشد العقوباتِ ولكن ما دام من قاله اميركي فهو على حق، فلا يجوز لأحد ان يحاسب اميركا على ما ترتكبه من جرائم وفضائح، لأنها وحليفتها اسرائىل فوق الاعراف والقوانين الدوليةِ وهو الفكر نفسه الذي عبرت عنه الصحافة الاوروبية عندما شجعت نشر صور كاريكاتيرية تسخر وتستهزئ من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم. 
ولا ندعي ان الشعب الاميركي راض عن هذه السياسةِ بل ظهرت معارضة كبيرة تندد بالنزعة الامبراطورية لهذه الادارة وما ترتكبه من جرائم وفضائح سعيا وراء تحقيق تلك الامبراطوريةِ معبرة عن نفسها بتجمعات مناهضة للحروب العدوانية التي تشنها دولتهم، او بمقالات يكتبها مفكرون مستنكرين الجرائم والفضائح التي ترتكبها هذه الادارة وسياستها ذات المعايير المزدوجةِ من ذلك ما كتبه الرئيس كارتر في كتابه 'قيمنا المهددة' فانتقد المحافظون الجدد ومبادئهم وربطهم الدين بالسياسة ومخالفتهم لتعاليم المسيح وجنوحه للسلام، بينما يؤمنون بالعنف والحرب لاستعجال ظهور المسيح، ويرى ان ربط الدين بالسياسة اثر سلبا في سياسة اميركا وفي صورتها حول العالم وجعل السياسة الاميركية اسيرة لنظرة عسكرية هدفها الهيمنة على العالمِ ان ما يقوله هؤلاء الاحرار يجعلنا نستغرب من الموقف المخزي لبعض الانظمة العربية وبعض الليبراليين العرب الذين ما زالوا يمجدون الاحتلال الاميركي ويدافعون عن جرائمه، ويقدمون كل الامكانات لإنجاح مشاريعه الخطيرة الرامية الى السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها، ووضع الوصاية على شعوبها.


2/18/2006
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com