'كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور'ِ الحمد لله الذي كتب لنفسه البقاء وكتب على خلقه الفناءِ كل شيء هالك إلا وجههِ فالله الذي خلق الحياة هو الذي خلق الموت وقدره على سائر الكائناتِ إنني في هذا المقال لا أريد أن أرثي صاحب السمو أميرنا الراحل أو أن أعدد مناقبه وأفضالهِ فإنها أكبر من أن تحصى، كما سبقني إلى ذلك العديد من الاخوة الذين كتبوا مقالات رائعة، عبروا فيها عن احزانهم وآلامهم لفقدانهم الراحل الكبير الذي غاب عنهم ولن يشاهدوه ولن يسمعوا صوته الدافئ الحنون وسيفتقدون نصائحه وحكمه الناضجة الواعية غاب عن الكويت التي احبها من كل قلبه ومشاعره، واحبته كأن لم تحب احدا سواهِ ان ارض الكويت بترابها الطاهر تضم اليوم في احشائها ابنها البار الذي رعاها وطورهاِ تركها مزدهرة بالديموقراطية والحب والعدالة، خالية من الظلم والاضطهاد والطغيان، لا يوجد فيها سجين رأيِ تركها متطورة علميا واقتصاديا، حارب الجهل والتخلف والامية، واجتهد لتطوير الاقتصاد وحرص على ضمان مستقبل الاجيال القادمة. من أجل ذلك أحب الشعب الكويتي أميره الراحل وأحب أسرة الصباح الحاكمة التي عاش معها فوق هذه الارض أكثر من ثلاثة قرون، عيشة سعيدة هنيئة هادئةِ سواء أيام الفقر والحرمان او ايام الرخاء والوفرة الاقتصاديةِ قد يختلفون معهم ولكن لا تؤدي تلك الخلافات الى القطيعة او الخصومة الفاجرة، غالبا ما تسود الحكمة وتحسم الخلافات بالحسنىِ ان الاسرة الحاكمة يجب ان تدرك الحب العميق الذي يكنه الشعب الكويتي لها وتقدره وتحترمهِ ذلك الحب الذي عبر عنه آلاف المواطنين الذين تدفقوا باتجاه المقبرة لتشييع اميرهم الراحل، ولم يتمكن آلاف منهم تحقيق هذه الرغبة لان المكان كان اصغر من ان يتسع لتلك الجموع الغفيرةِ ثم احتشد آلاف المواطنين في الصباح الباكر امام قصر بيان ليعزوا انفسهم والاسرة الحاكمة بهذا المصاب الجللِ كما عبر الشعب الكويتي عن حبه للاسرة الحاكمة بما اظهره من اخلاص وولاء لها اثناء فترة الاحتلال الغاشمِ عندما تمسك الشعب بشرعيته ولم يستطع الطاغية ان يجد خائنا واحدا يقف معهِ حتى الحكومة التي عينها المحتل برأها القضاء الكويتي معتبرا أنها مكرهة على ذلك. كما يجب ان تشعر الاسرة الحاكمة والشعب الكويتي بالفخر والاعتزاز بعد ان رأت الوفود من سائر انحاء العالم قادمة لتعزي الاسرة الحاكمة والشعب الكويتي بفقيدها العزيزِوقد أخص بالذكر الشعب العراقي الذي جاء بجميع اطيافه وطوائفه ليدفن الاحقاد التي حاول ان يزرعها الطاغية صدام، والشعب الفلسطيني حيث جاء رئيس السلطة ووفود من منظمة فتح وحماس وغيرهما من المنظمات الفلسطينيةِ وكذلك جميع الدول العربية والافريقية والآسيوية والاوروبيةِ جاء من تلك الدول وفود رسمية وشعبية ورؤساء احزاب ووزراء سابقون، جاءوا معزين الكويت حكومة وشعبا بفقيدها الغاليِ لقد شعرت وغيري من ابناء الشعب الكويتي بعظمة بلادنا ودولتنا الصغيرة التي احبها وقدرها الجميع لابد من سر في سياسة الامير الراحل اتبعها ليغرس لدى تلك الدول والشعوب حب الكويت واحترامهاِ يجب ان نبحث عن ذلك السر ونتعرف عليه ثم نتمسك به ونعض عليه بالنواجذ لتبقى الكويت صديقة ومحترمة لسائر دول العالم. من حق الكويت علينا ان نواصل سياسة التقدم والازدهار التي رسمها الامير الراحل وغيره من الساسة الذين اشتروا حب الكويت وباعوا مصالحهم الخاصةِ وبخاصة ايام المحنِ من حق الكويت ان نواصل تلك المسيرة لنكسب ثقة العالم وحبه واحترامه لناِ ومن الخطورة ان ننتكس او نتعثر او ان نظهر امام العالم بصورة غير لائقة ادنى من الصورة التي رسمها العالم عناِ لقد تابع كثير من ابناء الكويت بخوف وقلق شديدين انباء الخلاف الذي نشب بعد وفاة الامير، تخوفوا من ان يتحول ذلك الخلاف الى صراع او نزاع يضر بمستقبل الدولة وكيانها، لاشك في ان الخلاف متوقع في المجتمع الديموقراطي وقد يكون مظهرا صحيا لمعالجة المشكلات بشفافية ووضوح وموضوعية، بدلا من التستر عليها والتخوف من مواجهتها حتى تتحول الى كارثة يستحيل علاجها. وعلينا ان نجزم بان الخلاف الذي ظهر واسلوب مواجهته ومعالجته، قد زادنا احتراما وتقديرا لدى الكثير من شعوب العالم، وعزز ثقتنا بنظامنا الديموقراطي وقدرتنا على مواجهة المشكلات، وأكد لنا أنه لا خوف على المجتمع الديموقراطي من الخلافاتِ وربما قد يبشرنا بشروق فجر جديد يحتكم فيه الى الدستور لحسم الخلافاتِ لقد احتكمنا الى الدستور وساعدنا في الخروج من هذه الازمةِ لذا يجب ان نتمسك بالدستور والمحافظة عليه وان نبدد مخاوف المتشككين بأهميته ونوايا من يتطلع للانقضاض عليه والتخلص منهِ وان يعطينا هذا الفجر دفعة قوية لمواجهة الفساد المستشري في اجهزة الدولة والذي اعترفت الحكومة نفسها بوجوده وخطورتهِ وتقتضي محاربة الفساد ان نبدأ بمحاسبة زعماء الفساد المتربعين على قمته والمخططين له. فهل الدستور الذي احتكمنا اليه وساعدنا في الخروج من هذا المأزق سنتمسك به ونتصدى لمن يشكك فيه او يتآمر عليه؟ ام سننقلب عليه في يوم من الايام ونسعى الى تعطيله والحد من سلطاته عندما تتطلب مصالح الكبار ذلك؟ هل سنتمكن من تفعيل الدستور لزيادة حجم المشاركة الشعبية وتطوير السلطة التشريعية لتكون قادرة على اختيار السلطة التنفيذية ومراقبتها ومحاسبتها بصورة جدية؟ أم ان هناك قوى ستعرقل التطوير الديموقراطي لتعارضه مع مصالحها.
1/30/2006
|