الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
حماس الحكومة لحقوق المرأةِ مثالب وثقوب | رجوع
ليست الديموقراطية هبة او منة من الحاكم الى الشعب، يستطيع ان يستردها متى او كيفما شاءِ بل هي حق من حقوق الشعب يجب ان يتمسك به ويدافع عنه، لقد انقضى العصر الذي كان الحاكم فيه ينظر الى نفسه على انه من طبقة عليا فوق طبقات البشر مدعمة بتفويض إلهي، ومن يخالفه فهو آثم، وكأنه قد تحدى المشيئة الإلهيةِ لقد تمكن التقدم العلمي من دحض تلك النظريات التي تسببت في تعذيب الشعوب واذلالها، فابتكر نظما اخرجت الحاكم من مصاف الآلهة الى طبقات الأمة تراقبه وتحاسبه وتستغني عنه اذ ثبت فشله في ادارة الدولةِ واذا كانت الشعوب الاوروبية قد استطاعت منذ عصر النهضة ان تتخلص من تلك الآراء المتخلفة وتبني نظمها السياسية وفق معايير علمية، فإننا نعلم ان ديننا الاسلامي قد شرع لاساس الحكم العادل منذ الوهلة الاولى لنزول الوحي والتزم الرسول، صلى الله عليه وسلم، بتلك المبادئ اثناء قيادته للامة، وكذلك فعل خلفاؤه الراشدون المؤسسون للدولة الاسلاميةِ ولكن يبدو ان بعض حكام المنطقة يتعمدون تجاهل تلك الحقائق، ويريدون اعادة عقارب الساعة الى الوراء، ليفرضوا على شعوبهم نظم حكم فردية استبدادية، ويساعدهم على انجاح ذلك بعض المطبلين وشعوب غير واعية لحقوقها. 
في ظل هذا التصور، سنناقش طرح الحكومة الحقوق السياسية للمرأة، ومع انني من المؤيدين لتلك الحقوق، لكني ضد الطريقة التي اتبعت في طرح المشروع، لانها تحمل بعض الاخطاءِ ومن تلك الاخطاءِ ان هناك اقلاما قدمت المشروع وكأنه هبة تفضلت بها الحكومة على المرأةِ واخذوا يصفقون للحكومة لانها تفضلت على المرأة ومنحتها هذه المكرمة، ومن الضروري محاربة النفاق السياسي لانه يكرس الطغيان والاستبداد، وبما ان المرأة جزء مهم من الأمة والدولة فإننا نعتقد ان من المبادئ التي يجب تكريسها انه لا يوجد اشخاص لهم فضل على الأمة او على الدولةِ وعلى هذا الاساس كان من الأفضل ان يقدم المشروع وكأنه حق من حقوق الأمة، وان إقراره سيدعم الديموقراطية لأنه سيزيد من مساحة المشاركة الشعبيةِ ومن اخطاء الحكومة انها اكثرت من التصريحات، فلا يمر يوم الا ولرموزها تصريح حول هذا الموضوع، وكان بعضها استفزازيا، كالتصريح الذي تؤكد فيه الحكومة ان حقوق المرأة قرار نهائي ولا رجعة فيهِ اي انها تجاهلت موافقة المجلس، وتناست ان القرار في المجتمع الديموقراطي لا يتوقف على رأي الحكومة وحدها بل يجب اخذ رأي مجلس الأمةِ او كالتهديد بحل المجلس اذا عارض ارادة الحكومةِ انه لمن المخجل حقا ان تكون ديموقراطيتنا بهذه الصورة الضعيفة، فبعد مرور اكثر من اربعين عاما على اول انتخاباتِِ ما زالت الحكومة تستصغر المجلس وتقلل من شأنهِ فلا شك ان مثل هذا التصريح ليس من الديموقراطية في شيءِ فلا يوجد نظام ديموقراطي يعطي لحكومة ليست منتخبة الحق في حل مجلس منتخبِ فالشعب لم يختر ممثليه ليتحولوا الى ألعوبة في يد الحكومة لا يستطيعون معارضتهاِ بل العكس هوالصحيح فمن حق المجلس ان يحاسب الحكومة ويطرح الثقة بها اذا ثبت فشلهاِ ان التهديد بحل المجلس يعني انه لا يوجد فصل بين السلطات، بل ان السلطة التنفيذية تريد ان تهيمن على السلطة التشريعية وتخضعها لرغباتها ونزواتها، وهذا يعني ايضا انه ليس لدينا ديموقراطية حقيقية بل صورية او ديكور نوهم به العالم ليعتقد ان مجتمعنا مجتمع ديموقراطي، ولكنها في الحقيقة مجرد وهم لأنها ضعيفة هزيلة يراد منها ان تكون صورة من رأي الحكومة. 
ومن مساوئ هذا المشروع ذلك الصخب والضجيج الإعلاميين، وقد اشتمل معظمه على جدل عقيم بعيد عن روح الموضوعية والعقلانية، حيث سخرت اقلام للثناء على الحكومة وشتم المعارضين للمشروع وتسفيه آرائهم، ورد المعارضون بآراء مماثلة، مما أدى الى ظهور انقسام في صفوف المجتمع، وبدت قوى المجتمع السياسية يضرب بعضها بعضاِ ووسط هذا الضجيج تناسوا قضايا الفساد وضرورة الاصلاح الحقيقي الذي تحتاج اليه الدولة، كالاصلاح الاقتصادي والسياسي الذي يتطلب الحاجة الى تداول السلطة ووجود حكومة شعبية منتخبةِ يختارها الشعب لاقتناعه بالأفكار والبرامج الاصلاحية التي تنوي تحقيقها اثناء استلامها السلطة، ومن ثم يتم تقييمها من خلال ما استطاعت ان تحققه من انجازاتِ فإذا ثبت نجاحها أعاد الشعب ثقته بها أو اختار غيرهاِ وفي وسط هذا الجدل بدت القوى السياسية وكأنها قد وقعت في شرك نصب اليها لإشغالها عن قضايا الفساد والإصلاحات الجوهرية التي تحتاج لها الدولة. 
ومن الأخطاء التي برزت على الساحة أثناء مداولات المشروع، ما يشاع ان هناك ضغوطا مورست على بعض علماء الدين لإجبارهم على تغيير آرائهم حول هذه القضية ليفتوا بآراء تتفق مع ما تريده الحكومةِ فإذا كان هذا صحيحا فهو أمر خطير، لأنه سيفقد العلماء مصداقيتهم لدى الكثير من أبناء المجتمع، وتهتز ثقتهم بهم، مما جعل البعض يسميهم بعلماء السلطان وفقهائه، الذين يسخرون الدين لخدمة مصالح السلطة السياسيةِ ويتبنون تفسيرات دينية لارضاء رغبات الحاكم ونزواتهِ وقد يدفع هذا الكثير من الشباب ان يرتمي في احضان المتطرفين. 
وقد يزداد الأمر سوءا إذا تبين ان حماس الحكومة لحقوق المرأة يرجع إلى ارضاء الادارة الاميركية التي تمارس ضغوطا لمنح المرأة حقوقها الكاملة من وجهة نظرهاِ فإذا كان هذا صحيحا فماذا عسانا أن نفعل عندما يطالبوننا بالسماح للمرأة بأن تخطب الجمعة، وتؤم المصلين وتؤذن للصلاة وهي سافرة لا تغطي شعر رأسهاِ ويصلي الرجال والنساء في صفوف واحدة والنساء سافرات؟ ماذا نفعل إذا طالبوا بذلك تعزيزا لمكانة المرأة ودعما لحقوقها؟ وهذا ما فعلته أمينة ودود في إحدى قاعات كاتدرائية اميركيةِ ونقلت 'فوكس نيوز' تلك الصلاةِ وامتدح بعض الصهاينة تلك البدع ووصفوهم بالمسلمين الجدد أو بمسلمي القرن ال21، واعتبروا تلك البدع مهمة لتجديد الخطاب الديني ومحاربة الإرهابِ ان اميركا لديها اصرار غريب على تجديد الخطاب الديني الإسلامي وتطوير المناهج الدينية لأبنائنا وفق منظورها وتصوراتها ضمن ما تسميه محاربة الإرهابِ وليس من المستبعد ان يستجيب بعض حكام المنطقة لتلك المطالبِ ويدخل تلك البدع والعبث في ديننا، ويطالب بعض العلماء بالإفتاء بجوازها ارضاء لأميركا. 
لقد اصبح هدف معظم حكام المنطقة ارضاء اميركا، وتنفيذ اوامرهاِ فقد يتنازلون لها عن سلطاتهم الاستبدادية ويبعدون انفسهم عن اتخاذ القرار ليصبح قرار المنطقة في يد الادارة الاميركيةِِ هي التي ترسم وتخطط وتقررِِ وينفذ هؤلاء الحكام ما تريدِ لقد ساعدوها في احتلال العراق، والقبول باسرائيل والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطينيِ وقد يساعدونها اليوم على إشعال الفتنة في سوريا ولبنان، وعلى العبث بديننا وتحريفه وتدمير ثقافتنا وطمس هويتنا وإهدار كرامتنا. 


4/17/2005
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com