متاجرة أميركا وإسرائيل بدم الحريري | رجوع
ليس غريبا ان تبدو اميركا امام العالم بهذا الحماس الهستيري لتطبيق القرار 1559، مدعية الحرص على الشرعية الدوليةِ مع علمها بأن العالم يعرف مدى امتهانها وانتهاكها للقرارات الدولية اذا تعارضت مع مصالحها او مصالح اسرائيل العدوانية، فطبيعتها العدوانية المتغطرسة تجعلها لا تهتم بانتقاد الشعوب والنظر اليها على أنها تنهج سياسة منافقة ازدواجية المعايير، وانها تقيس بأكثر من معيارِ فهي لا تقيم وزنا لنظرة الشعوب، بل تسعى لتهميش دورها وتحويل المنظمة الدولية الى العوبة تخدم مصالحها ومصالح اسرائىلِ ولما كان هذا القرار يخدم مصالحهما ويساعد على تحقيق اطماعهما في المنطقة، لذلك مارستا شتى الضغوط لاصداره، وهما تمارسان شتى الضغوط لتطبيقه، من هنا نجد بوش وافراد ادارته وشارون يكررون صباحا ومساء 'ضرورة الانسحاب السوري من لبنان لضمان اجراء انتخابات حرة، وهذا لا يتم في وجود قوات احتلال قريبة من صناديق الانتخابات' بينما يصف الانتخابات العراقية التي اجريت تحت الاحتلال الاميركي بأنها نزيهة وعادلةِ فهل الاحتلال الاميركي والاسرائىلي لفلسطين وافغانستان والعراق شرعي، والتواجد السوري رجس من عمل الشيطان؟ ومع الاعتراف بالاخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية في سوريا ولبنان، فاننا نعتقد انه لا يوجد وجه مقارنة بين ما قدمه التواجد السوري من خدمات جليلة في لبنان وجرائم الحرب البشعة للاحتلال الاميركيِ لقد جاءت سوريا بناء على طلب من الفصائل اللبنانية وقرار من الجامعة العربية وبدعم من مجلس الامن لتساهم في وقف حرب اهلية مشتعلة فيهِ وتمكنت بما قدمت من تضحيات من وقف النزيف اللبناني، وحمت شعبه من التمزق، وساهمت في استقرار الاوضاع، مما ادى الى ازدهار عملية البناء والاعمارِ ونمت فيه الحرية والديموقراطية فتنوعت الاحزاب والاعلام الحر، ونمت فيه روح المقاومة للعدو الاسرائيلي فتمكنت من هزيمته ودحره، كما نمت فيه روح اسلامية عربية قوية ترفض الرضوخ للهيمنة الاميركية ـ الاسرائىليةِ اما المشهد العراقي فيبرز صورة مظلمة، حيث جاء الاحتلال تحت ذرائع كاذبة وارتكب جرائم حرب بشعة، ولا يزال العراق غارقا في حالة من الفوضى وانفلات الامن وشعب ممزق الى عرب واكراد وسنة وشيعة، والعاطلون يملأون الشوارعِ ولا توجد قيادة قوية تنقذ هذا الشعب من الكارثة التي رسمت في واشنطن وتل ابيب. اذا ليس هدف الحملة الاميركية ـ الاسرائيلية المسعورة والمتواصلة لتطبيق القرار 1559 هو الدفاع عن حرية لبنان، او مناصرة الشرعية الدولية، بل لتحقيق اهداف لاستراتيجية وضعها المحافظون الجدد عام 1996، وهم الذين يحتلون اليوم قيادة البنتاغون واسموها 'الاختراق النظيف' وتهدف الى التخلص من اتفاقية اوسلو وتمكين اسرائيل من التوسع في الاراضي العربية، وتمكين اميركا من احتلال العراق وسوريا ولبنان وايران، وزعزعة المنطقة العربية عن طريق اشعال الفتن فيها لتمزيقها لتتكون من كيانات ضعيفة لا تقوى على تحدي الارادة الاميركية ومطالب التوسع الاسرائيلي، ومن ثم يتم تشكيل شرق اوسط جديد وفق التصور الاميركي ـ الاسرائيليِ ان اميركا واسرائيل تريدان اغتيال عروبة سوريا ولبنان ومحاربة اي مظهر من مظاهر القوة التي تدعم المقاومة ضد اسرائيلِ وبما ان حزب الله هو الذي اخرج اسرائيل من لبنان منهزمة منكسرة، وظهر زعيمه السيد حسن نصرالله في الحشد الجماهيري بصورة زعيم وطني عربي كبير تحتاج اليه الامة في مثل هذه الظروف الصعبةِ فلا بد من القضاء على هذا الحزب وزعيمه قبل ان يمتد نفوذه الى الاقطار العربية الاخرى التي اعجبت بنضاله وكفاحه، واعتبرته مثلا اعلى للكفاح والنضالِ ولا بد من اخراج سوريا من لبنان منكسرة وعزلها عن المقاومة وحزب الله لقطع الحبل السري الذي يمد لبنان والمقاومة بروح العروبة وروح المقاومةِ وان تنكفئ سوريا على نفسها وتخفض قواتها المسلحة وتسلم اسلحتها المتطورة وتعمل على تأمين الحدود السورية ـ العراقية لضمان سلامة جيش الاحتلال، وان تقوم باغلاق مقار المنظمات الفلسطينية المعارضة وتطردهم من اراضيها، وتسمح بتوطين اللاجئين في سوريا ولبنان لان اميركا ترفض عودتهم الى وطنهمِ ومن ثم تلتحق بركب السياسة الاميركية ـ الاسرائيلية في المنطقة، وتكف عن المطالبة بسحب قوات الاحتلال الاسرائيلي من الجولان ومزارع شبعا وترضى بالفتات الذي تتنازل عنه اسرائيل. ان هذه المطالب ليست جديدة بل قدمها باول في مايو 2003، ورأت اميركا في الظروف التي برزت بعد اغتيال الحريري فرصة لاجبار سوريا للرضوخ لتلك المطالبِ ومن المؤكد ان قبول سوريا بهذه المطالب سيؤدي الى تغير في شخصية النظام ثم انتحارهِ فبحثت في المحيط العربي عمن يناصرها ضد الفجور والطغيان الاميركيِ فوجدت معظم الحكام عملاء يدورون في الفلك الاميركي فنصحوها بالرضوخ لتلك المطالبِ فلجأت الى ايران فوجدت مشهدا مختلفاِ وجدت قيادة شجاعة واسعة الثقافة ملتحمة بالجماهير مخلصة لشعبها وثقافتها لا تفرط بكرامتهاِ وأبدت استعدادا لتشكيل جبهة تنسيق مع سوريا لمواجهة الطغيان الاميركي تم ذلك اثر اجتماع عقد في طهران بين نائب الرئيس الايراني محمد رضا عارف ورئيس الوزراء السوري ناجي العطري في 18/2 وكذلك الاجتماع الذي تم في دمشق بين الرئيس خاتمي وبشار الاسد في 20/2. ان قبول هذه المطالب يعني اننا سنسمح لاميركا ان تصبح وصية على امتنا، وتحول دولنا الى مستعمرة اميركية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا، ولعل مسلك حكام المنطقة وتصرفاتهم من اهم الاسباب التي شجعت اميركا على اذلالنا واهانتنا، وذلك لان معظمهم فاشل لا يحمل أي مشروع وطني أو قومي جاهلين بثقافة امتهم، فاذا قال بوش ان مناهجكم فيها تطرف أو ارهاب ارتعدوا وطلبوا من وزراء التربية تخليص المناهج من ذلك الارهاب او البحث عن وزير قد ترشحه السفارة الاميركية ليعمل على تدمير الاخلاق والثقافة العربية والاسلامية، عابثين بالامن القومي العربي، عاجزين عن الدفاع عن كرامة الامة وحريتها وترابها، جادين في تحقيق الامن الاسرائيلي، متفانين في خدمة المخطط الاميركي الرامي الى الهيمنة على شعوب المنطقة وثرواتها كي ترضى عنهم وتحمي عروشهم ولا تفكر باستبدالهم، لذلك تسمي احتلالهم تحريرا وتصف مقاومتهم بالارهاب، لا تهتم بمصالح الجماهير أو الالتحام بهم اعتقادا منها انها لا تستمد قوتها من رضا الشعب الذي تحكمه بل من الرضا الاميركي، واذا قارنا بين مسلك حكام المنطقة وبعض الحكام المخلصين لامتهم أدركنا اسباب الكارثة التي تواجه الامة. فايران على سبيل المثال تحكم بمجموعة من الفقهاء المخلصين المتميزين، لديهم مشروع وطني قومي واضح يسعون الى تحقيقه ويتفانون في الدفاع عنه، بنوا الدولة على اسس علمية، شكلوا لجانا علمية تحمي الدولة من ان يتسلل اليها بعض العملاء ليدمروا ثقافتها ومشاريعها الانمائية، لما لجأت اليهم سوريا ابدوا استعدادا للتنسيق معها ضد الطغيان الاميركي، ولما اغرتهم اميركا في الدخول بالسوق الحرة في مقابل تخليهم عن برنامجهم النووي، اجابوها ان هذا عرض تافه لا يستحق المناقشة، وعندما نستمع الى احد القادة الايرانيين وهو يشرح امام الجماهير قضية دولية، يحللها ويوضح وجهة النظر الايرانية فيها، سواء اثناء خطبة الجمعة أو في مؤتمر صحفي، ندرك اننا نستمع الى تحليل صادر من شخصية مثقفة واثقة برأيها ومخلصة لأمتهاِ وفي تركيا لم تسمح الحكومة المنتخبة من الشعب ان تستخدم القوات الاميركية اراضيها لغزو العراق، ورفضت منحة اميركية قيمتها مليار دولار وهي بأشد الحاجة اليها، لأن أميركا اشترطت عليها عدم التدخل في شمال العراق إذا أعلن الأكراد قيام دولة مستقلة لهمِ فرد رئيس تركيا ان بلاده لا تقبل منحة أو قرضا مرتبطا بشروط سياسيةِ كما رفضت كوريا الشمالية التهديدات الاميركية واستمرت في تطوير سلاحها النووي وتطوير صناعة الصواريخ عابرة القارات لحماية امنها من التدخل الاميركيِ أما المشهد في الوطن العربي فهو مزر ومخيف حيث ان معظم الحكام تحركهم الادارة الاميركية في الاتجاه الذي تريد مستسلمين للضغوط الأميركيةِ وكم نتمنى ان يتمكن المثقفون العرب من تطوير انظمة الحكم في وطننا العربي الفاشلة التي اخذت تنشر ثقافة الاستسلام لاعداء الأمة وستقود امتها الى الذل والهوان، واصبحت عاجزة عن تحقيق أي مشروع للاصلاح أو التنمية.
3/20/2005
|