الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
الدور الأميركي في صناعة التطرف الديني | رجوع
انتهز انصار الهيمنة الاميركية احداث العنف التي حدثت في المجتمع الكويتي، ليشنوا حربا ظالمة على القيم الدينية والعربية، والجماعات الاسلامية ويحملونهم مسؤولية تلك الاحداثِ كما اتهموا الحكومة بالتواطؤ مع تلك الجماعة لتمكينهم من الوصول الى مراكز القوة والنفوذ لابعاد تيارهم الوطنيِ فهم فقط الوطنيون ومن سواهم اعداء الوطنِ واعتبروا اغتيال بعض خلفاء المسلمين دليلا على ان الاسلام دين ارهاب منذ نشأته، ويتعامون عن الحضارة الاسلامية التي دامت اكثر من خمسة قرون، وما اثمرت من نتاج علمي وافر قدسته مجموعة من العباقرة والعلماء في شتى ميادين الحياة العلمية، متناسين ان هذا الازدهار العلمي لا يتحقق الا في ظل مجتمع يتوافر فيه الامن والحرية والعدالةِ كما يدعون ان الحركة الوهابية ارتبطت بالارهاب منذ نشأتها زاعمين ان فتوحات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ضرب من ضروب الارهاب، متناسين انه كان مصلحا دينيا وسياسيا وانه اراد توحيد القبائل العربية للتصدي للاستبداد التركي واصلاح الانحرافات الدينية والسياسية التي طرأت على الخلافة العثمانية في تلك الفترةِ وان ما حققه من نجاحات باهرة اثناء تحالفه مع اسرة آل سعود وانضمام القبائل والعشائر العربية تحت قيادتهما لم يكن ان يحدث لولا شعور تلك القبائل بالظلم والاستبداد الواقعين عليهم من حكومة الباب العاليِ وان الظروف الزمنية والمكانية المعاصرة لنشأة الحركة الوهابية كانت تسمح ببروز الامبراطورياتِ فهي تختلف عن الظروف الراهنة بعد نشأة الامم المتحدة وسيادة القانون الدولي الذي يحرم على الدول استخدام جيوشها للسيطرة على الدول الاخرى، وهو الذي تقوم به اميركاِ ان ما يسعون اليه من وراء تشويه التاريخ العربي والاسلامي وتزويرهِ تأكيد اكاذيب المحافظين الجدد وافتراءاتهم على الاسلام تزلفا وتقربا للادارة الاميركية المتطرفة. 
ومن مغالطاتهم ادعاؤهم ان التطرف والعنف صناعة خليجية، حيث يرون ان الجماعات الدينية التابعة لدول الخليج هي التي اسست المعاهد الدينية في اسيا ففرخت هذا الارهاب. 
على من تضحكون بنظرياتكم الزائفة؟ كيف يمكن لتلك الجماعات ان تفرض على حكومة باكستان تلك المعاهد؟ انكم تحاولون التستر على الدور الاميركي، لانها في نظركم منزهة لا تريد الا الخير ونشر الحرية فلا يجوز تلويث سمعتها. 
من اجل انعاش الذاكرة سنسلط الضوء على الدور الاميركي في هذا الخصوص، حيث لعبت دورا مهما في صناعة فكر التطرف الديني الحديث في المنطقة وصياغته وتأصيله، ليؤدي دورا مهما لصالحها في افغانستانِ ولقد ارسلت الادارة الاميركية مبعوثيها الى حكام المنطقة الذين يدورون في فلكها، واجبرتهم على استخدام كل الاساليب الممكنة لتأجيج فكرة الجهاد لدى الشباب العربي والمسلم لتحرير افغانستان من الشيوعيين الكفرةِ ثم رصدت مليارات الدولارات لانجاح هذه الفكرة فكونت صندوق دعم المجاهدينِ ومن ثم تعاونت المخابرات الاميركية والباكستانية ودول الخليج ودول عربية لانجاح هذه المهمةِ وتم فتح معاهد تعليم القرآن في باكستان تحت اشراف خبراء نفسيين وتربويين ورجال دين لاعداد الشباب العربي والمسلم اعدادا روحيا ونفسيا وتعميق فكرة الجهاد لديهمِ كما تم فتح معسكرات التدريب لتدريبهم على استخدام الاسلحة الثقيلة والمتطورة وتطوير قدراتهم القتالية نفسيا وجسميا وتدريبهم على خوض حرب العصابات والمدن والقدرة على التدمير والتخريب والقتال في كل الظروفِ ولقد كانت الادارات الاميركية منذ عهد كارتر وريغن وبوش الاب تستقبل قيادات التطرف ورموزه في البيت الابيض، وبخاصة الرئيس ريغن الذي كان يثني عليهم في خطبه واثناء مؤتمراته الصحفية ويصفهم بالمجاهدين المقاتلين الاحرار. 
في ظل هذه الظروف تم اعداد اكثر من 40 الف مقاتل ولاكثر من 42 دولة عربية واسلاميةِ لان اميركا كانت تهدف الى استنزاف الاتحاد السوفيتي وارهاقه واظهار اختلاله لافغانستان امام الرأي العام بأنه مستنكر من جميع الدول العربية والاسلاميةِ حتى بعد سقوط الشيوعية ظلت العلاقة بين اميركا ونظام طالبان وثيقة في عهد بوش الاب وكلينتونِ لانها كانت تحتاجه لزعزعة الاوضاع والنظام الامني في جمهورية ايران الاسلامية ولمد انابيب النفط من وسط اسيا عبر الاراضي الافغانية لتجنب الاراضي الايرانية. 
وبعد هزيمة الروس في افغانستان وجد المجاهدون انفسهم في فراغِ فالخبراء الذين خططوا لاعدادهم وتدريبهم ركزوا على الجوانب العسكرية لتربية مقاتلين يتصفون بالشجاعة والقدرات العسكريةِ واهملوا تماما الاعداد التربوي للحياة السلميةِ فهذه التربية العرجاء جعلت هؤلاء الشباب عاجزين عن التكيف والاندماج في مجتمع مدني يعملون في مؤسساته ويساهمون في عملية التنمية الشاملةِ وهذا هو الجهاد الشامل الذي نادي به الاسلامِ وعبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله 'رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر'ِ ويعني بالجهاد الاكبر اعداد الانسان المسلم ليعيش في مجتمع مدني يكون فيه قادرا على العمل والانتاج يسخر كل طاقاته لتنمية المجتمع وتطويره ونشر القيم التي اشتملت عليها الرسالة الاسلامية، كالعدالة والمساواة ونبذ الظلم ونشر المحبة والسلامِ اي ان يكون المسلم قويا في وقت الحرب وقادرا على العمل والانتاج في وقت السلم، والجهاد بهذه الصورة الشاملة يجب ان يعتمد على التخطيط العلمي، والاعداد الدقيق له مؤسساته وخبراؤه العاملون في مجالاتهِ لذلك رفع الرسول، صلى الله عليه وسلم، قيمة الجهاد التربوي والعلمي الى مستوى الجهاد في ميدان القتال عندما ساوى مداد العلماء بدم الشهداءِ اما الجهاد الذي رعته اميركا وركزت عليه فقد اهتم بالجانب العسكري لاعداد مقاتلين تلقي بهم في جحيم المعارك ليحاربوا نيابة عنهاِ وبعد هزيمة الروس فوجئوا بالمشروع الاميركي الرامي للسيطرة على المنطقةِ وبالغطرسة الاميركية ـ الاسرائيلية والمجازر الوحشية في فلسطين وافغانستان والعراق، ودعم بعض حكام المنطقة للعدوان، فنادوا بتوجيه السلاح لاميركا ومن يدعمها من حكام المنطقة. 
لذا نعتقد ان الجماعات الدينية كالسلف والاخوان والفكر الوهابي ليس لهم علاقة بالارهاب الذي يجريِ قد يكون من بينهم جماعة متزمتة في الرأي، ولكنهم لا يدعون لحمل السلاح ضد المجتمع المدنيِ اما التطرف الديني الحديث وما نجم عنه من عنف وارهاب فلم نعرفه الا مع ظهور الافغان العرب وهو صناعة اميركية، استفادت منه لاسقاط الشيوعية، وتستغله الان لتبرير غزوها وعدوانها على المنطقة لبسط نفوذها ونهب ثرواتهاِ فعلينا مواجهة التطرف باسلوب علمي مدروسِ نتعرف من خلاله على اسباب نشأته ونقاط قوته وضعفه وانجح وسائل معالجته، وان نبتعد عن التسرع والانفعال والانسياق وراء الاكاذيب التي يروج لها فلاسفة الاحتلال الذين يحثون الحكومة ويحرضونها على البطش والاستبداد وسلوك طريق الشر والظلم والخروج عن طريق الامن والعدالةِ انهم يسعون الى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع الكويتي وادخالنا في نفق مظلم قد يصعب الخروج منه.


5/2/2005
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com