الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
تشييع عرفات يكشف أكاذيب أميركا وإسرائيل | رجوع
'كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور' 'تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور'، فالله الذي خلق الحياة هو الذي خلق الموت وقدره على سائر الكائنات ف 'كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام'ِ في يوم الأربعاء ال 27 من شهر رمضان غيب الموت الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، البطل المناضل الذي كرس حياته للقضية الفلسطينية، وهي القضية العادلةِ وقد صادف ذلك اليوم ليلة القدرِ فلا ندري إن كانت قد اقتضت مشيئة الله وحكمته أن يأخذ روح ذلك الزعيم من شعبه الذي أحبه وأخلص له في تلك الليلة المباركة تكريما لهذا الزعيم المخلص لأمته وشعبه، ذلك الشعب المظلوم من أكبر قوة في العالم سخرت أموالها الطائلة وأسلحتها الفتاكة لدعم السفاح شارون، فشجعته على قتل الأبرياء العزل وهدم البيوت وتشريد آلاف الأسر وحرق الأخضر واليابسِ ووقفت في مجلس الأمن تتحدى العالم بأسره وتمنعه من اتخاذ أي قرار يدين تلك الجرائم الوحشية التي لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلاِ في مثل هذه الظروف القاسية والمريرة لم يركع الزعيم الفلسطيني للإملاءات الصهيونية القادمة من واشنطن وتل ابيب.
ولقد أوصى أن يدفن جثمانه في مدينة القدسِ تلك المدينة التي اغتصبها الصهاينة ويسعون الى تحريمها على العرب والمسلمين، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانهِ أوصى أن يدفن في القدس التي ولد فيها وأحبهاِ وإذا امتنعت اسرائيل فليوضع جثمانه في نعش اسمنتي يدفن في رام الله ثم ينقل الى القدس بعد تحريرهاِ هذا هو الحل الذي كان يحلم به ولم يره في حياتهِ ولكنه مقتنع بأنه سيتحقق، لإيمانه بعدالة الله وان الشعب الفلسطيني شعب عظيم، فهو أعظم من قياداته، سيتمسك بثوابته ولن يتنازل عن حقوقه المقدسة بل سيواصل كفاحه ونضاله حتى ينتزع تلك الحقوقِ كان يحلم بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة بعد 1967 وعاصمتها القدس الشرقية شاء من شاء وأبى من أبى، وسندخل المسجد الأقصى ونصلي فيه آمنين مطمئنينِ كان يرى ذلك الحلم في آخر النفق وانه سائر ليصل إليه. 
هذه العبارات التي آمن بها ورددها أشغلت غيظ المتطرفين في واشنطن وتل ابيب فوصفوه بالإرهابي، ورفضوا الاعتراف بشرعيته التي حصل عليها من صناديق الانتخابات في انتخابات حرة ونزيهة وتحت اشراف دولي، لأنهم يريدون إقامة حكومة عميلة تخضع لإملاءاتهم وتفرط بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطينيِ إن إصراره وتمسكه بتلك الثوابت دفعا اليمين المتطرف في واشنطن وتل ابيب الى محاربته وسجنه لسنوات في مقره في رام الله، وسخروا امبراطوريتهم الاعلامية لتشويه سمعته فوصفوه بالإرهابي وبأنه لا يصلح شريكا في مفاوضات السلام. 
وكم كان عظيما ومذهلا ان نرى بعد وفاته إصرار زعماء الدول المحترمة على توديع وتشييع تلك الشخصية العظيمة الشجاعة المخلصةِ والتي ندر أن يعرف التاريخ العربي الحديث مثيلا لهاِ جاؤوا لتوديع زعيم أمة فقيرة ضعيفة وشعب مشرد لا يملك ثروة نفطية ولا أموالا طائلة، فمن جاء لا يطمع في قروض أو أموال، ففي فرنسا أقيمت له جنازة عسكرية حضرها الرئيس الفرنسي لتوديعه، وعزف خلالها السلام الوطني الفلسطيني اعترافا من باريس بتلك الدولة التي تريد إنكارها أميركا وإسرائيلِ وفي القاهرة حضر أكثر من 60 رئيس دولة أو من ينوب عنهم جاؤوا تكريما وتقديرا للنموذج البطولي الذي رسمه ذلك الزعيم طوال حياته، وتعاطفا مع القضية العادلة لذلك الشعب المظلومِ وفي رام الله خرج الشعب الفلسطيني بأسره يبكي زعيمه ويعاهد الله انه لن يتنازل عن ثوابته وحقوقه الشرعيةِ كما صلى عليه إماما الحرمين الشريفين في مكة والمدينة والأزهر وطهران وجموع غفيرة من العرب والمسلمينِ لقد كان ذلك التشييع إجماعا دوليا وشعبيا على زعامة عرفات ومكانته، ورفضا للادعاءات الأميركية والاسرائيلية التي تصفه بأنه إرهابي وانه ليس أهلا لقيادة الشعب الفلسطينيِ واعترافا دوليا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي تحاول طمسها أميركا واسرائيل. 
ومن الطبيعي ان يستفز ذلك التعاطف الدولي الحقد الدفين في قلب شارون ومن يسانده في الإدارة الأميركية، فشكلوا فريقا اعلاميا لتشويه سمعته وما أبرعهم في اختلاق الأكاذيب وتلفيق الأباطيلِ فادعوا بأنه إرهابي وان بن لادن أحد تلاميذه، وقد سرق أموال المنظمة وسجلها مليارات في رصيدهِ وعلى الرغم من ان وزيرة الخزانة السويسرية صرحت بانها لا تعرف بوجود حسابات سرية مسجلة باسم ياسر عرفات في البنوك السويسرية، وعلى الرغم من تصريح مصادر موثوق بها في المنظمة أكدت ان أموال السلطة الفلسطينية آمنة وتخضع لإشراف جماعي، وليست باسم ياسر عرفات شخصيا، وانه لم يتصرف قط على اعتبار ان تلك الأموال ملك له بل انه مات فقيراِ على الرغم من هذا كله فان الإعلام الصهيوني والاعلام العربي الذي يدور في فلكه ونذر نفسه لخدمة أهدافه الدنيئة، أبيا إلا ان يجعلا من ذلك الموضوع مادة لترويج الفكر الصهيوني، ولكن الحقيقة بدت واضحة كالشمس ستعجز الأقلام الحاقدة والكاذبة عن حجبها. 
فعليك رحمة الله يا أبا عمار، يا من ناضلت وكافحت طويلا لتحقيق حلم لم يتحقق في حياتك، ولكنه سيتحقق باذن الله بعد مماتك، لأنك رسمت طريق الكفاح أمام الشعب الفلسطيني وبخاصة الشباب الذين أحبوك وأصبحت مثلهم الأعلى، فلن يقبلوا بأي زعيم يتنازل عن حقوقهم الشرعية مهما كانت قسوة الظروفِ قد تكون ارتكبت أخطاء أثناء كفاحك الطويل، كمسايرتك للتسوية السلمية ووثوقك بأميركا واسرائيل وهما لا يلتزمان بالعهود والمواثيق، ومساندتك لصدام أثناء غزوه الكويت، ولكنك بشر لست نبيا ولا ملاكا بل حتى الأنبياء قد يخطئون، ويضرب لنا القرآن أمثلة من أخطاء الرسل ومنهم رسولنا الكريم وبعض صحابتهِ وان الله قد عاتبهم بسبب تلك الأخطاء وعفا عنهمِ أما أنت فبشر وتتعامل مع قضية صعبة ومعقدة وأعداء قساة أقوياء، وأصدقاء فيهم كثير من المنافقينِ في مثل هذه الظروف الصعبة ستكثر الخيارات الصعبة التي تحتاج الى اجتهادات، ففي اثناء اجتهادك قد تصيب أو تخطئِ وعلى كل من اختلف معك في اجتهاداتك ان يصفح ويسامح لأن ما أصبت من حسنات يفوق السيئات. 


11/27/2004
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com