الحرية الأكاديمية وقضية نجمة إدريس | رجوع
نشرت دِ نجمة ادريس مقالا عبرت فيه عن أسفها لمعاملة إدارة الجامعة لها، بسبب اختيارها لكتاب قررته على الطلبةِ وأفادت انها قدمت استقالتها بسبب تلك المعاملةِ وتعاطف بعض الاخوة مع قضيتها فوجهوا نقدا لاذعا لإدارة الجامعة ومستوى الجامعة الأكاديمي الذي وصفه بأنه هابط ومتردِ واعتقد ان التعليم الجامعي والتعليم بصفة عامة قضية وطنية مهمة، ففي داخل تلك المؤسسات تلتقي الأجيال الناشئة مع المربين والمفكرين ليتدارسوا العلم والثقافة والسلوكِ لذا يجب ان نحرص على سمعته وان نتحرى الموضوعية والدقة أثناء الكتابة عنه، وان نبتعد عن الأهواء والانفعالات المتسرعةِ لنساعده على أداء رسالته السامية، فليس من المصلحة ان تهتز ثقة المجتمع بهذا الصرح الأكاديمي. ولعل من يدرس تاريخ الجامعة منذ نشأتها وحتى يومنا الحاضر، سيتأكد ان ادارات الجامعة المتعاقبة كانت حريصة كل الحرص على تطوير برامجها وأدائها ولوائحهاِ فهي تخضع لعملية تقويم دائم وتستعين بالخبرات الدولية والاقليمية والمحلية لتساعدها على تطوير أساليبهاِ ولا أدعي ان الجامعة نظيفة من المشاكل، فهذا ادعاء مناف للعقل والمنطق، فهي كأي مؤسسة مليئة بالمشكلات والعقباتِ ولكن من الأفضل ان يتم علاج تلك المشكلات على أيدي باحثين أكاديميين يدرسون تلك المشكلات عن كثب ويقدمون مقترحات موضوعية لعلاجها بعيدة عن الأهواء والانطباعات الشخصية. أما بالنسبة لقضية دِ نجمة فاعتقد ان مشكلتها تتصل بالحرية الأكاديمية للجامعة والاستاذ الجامعيِ ولا شك ان الحرية الأكاديمية مطلب ضروري لا غنى للحياة الجامعية عنه، فمن دونها ستفقد الجامعة أهميتها ويصعب عليها ان تؤدي رسالتها على أفضل وجهِ وإذا فقدت الجامعة حريتها فإن هذا المسار السلبي لن يضر الجامعة وحدها بل ستمتد آثاره السلبية الى المجتمع بأسرهِ فالمجتمع بحاجة الى آراء العلماء والمفكرين ليبدوا آراءهم بحرية وشجاعة بالمشكلات والتحديات التي تواجه المجتمعِ وخير جو يساعد العلماء على إبداء آرائهم بشجاعة الجو الجامعي المليء بالحرية. والحرية الأكاديمية تعني أمورا كثيرة من أهمها ان تتمتع الجامعة باستقلال فكري ومالي وإداريِ فتكون حرة في اختيار هيئتها التدريسية وترقيتهم وتطبيق قوانينها ولوائحها عليهمِ وان تكون الأقسام العلمية حرة في اختيار رئيسها وأعضاء هيئة التدريس ونوعية الطلبة الذين سيلتحقون بالدراسة فيهاِ وطرق تقويمهم ومنحهم الدرجات العلمية، وفق قواعد ومعايير علمية متفق عليهاِ وان تتمتع بحرية اختيار برامجها التدريسية دون تدخل من السلطات إلا بحدود ضيقة. ومن الأمور التي أكدتها معظم الدراسات الجادة التي بحثت موضوع الحرية الأكاديمية في التعليم الجامعي، ان تلك الحرية ليست مطلقة بل ينبغي ان تكون مقيدة بلوائح ومعاييرِ فهذه الحرية حق مهني يكتسبه الأستاذ أثناء عمله الجاد في مجاله للوصول إلى معاييره، ومن لم يحكم معاييره سيسيء استخدامهِ فهذه الحرية لا تعني ان يدرس المدرس داخل الصف ما يشاء، فهذا الموضوع يجب ان تضبطه لوائح الجامعةِ فلا يحق للدكتور تحت شعار الأكاديمية ان يدرس ما يشاء وبطريقته الخاصة البعيدة عن أهداف المقرر والمحتوى العلمي الذي أقره القسم الذي ينتمي اليه، أو ان يقوم طلابه حسبما يشاء، فإن في هذا إخلال بروح الجامعة التي أنشئت من أجلهاِ ان الحرية الأكاديمية يجب ان تعطي للدكتور مساحة واسعة في مجال التفكير وإجراء البحوث والنشرِ أما في مجال التدريس فعلى أعضاء هيئة التدريس ان يلتزموا أثناء تدريسهم واختيار المراجع التي يقررونها بالابتعاد عن الأهواء الشخصية وان يكونوا موضوعيين أثناء تدريسهم، ويحترموا أهداف المقرر ونظام التقويم المتفق عليه من قبل القسم العلميِ وألا يروجوا لحزب سياسي أو لمذهب عقائدي معينِ وان يبتعدوا عن التشهير بأي فئة أو طائفة أو جماعة من جماعات المجتمعِ وان يحترموا المبادئ الأساسية التي تساعد على استقرار المجتمع وتحافظ على توازناته الدينية والسياسية والاجتماعيةِ والا يشجع طلبته على القيام بأعمال تثير الفتنة والشغب، لاسيما إذا كان ذلك التشجيع يخدم مصالح حزبية أو عقائدية معينة. هذه معايير للحرية الأكاديمية، أكدت عليها دراسات أجري كثير منها في مجتمعات تتمتع بالحرية السياسية وتؤمن بأهمية الحرية الأكاديمية في التعليم الجامعيِ فيجب ان نحترمها لكي لا نسيء استخدام تلك الحرية ومن ثم نقوم بتدمير هذه القيمة المهمةِ فإذا كان المقرر الذي تدرسه دِ نجمة يشهر أو يحقر جماعة أو طائفة معينة، فعلى ادارة الجامعة منع هذا المقرر، لأننا إذا سمحنا لهذا المقرر وهو بهذه الصفات فسنسمح لاستاذ آخر ينتمي لحزب آخر ان يدرس مقررا يروج لحزبه ومعتقداته ويهاجم الأفكار المعارضة لهِ وبذلك سنجر الجامعة الى ان تتحول الى مسرح للصراع السياسي والعقائدي والطائفي والقبليِ أو صراع بين المتدينين والليبراليينِ ومن ثم سنسهم الى ان تتحول المقررات الى مستوى الدعاية والثقافة الحزبيةِ وسيؤدي هذا إلى هبوط وانحدار في المستوى الأكاديمي للمقررات الدراسية، ويلحق ضررا بالغا على أبنائنا وبناتنا ومستوى الخريجين والمجتمع بأسره. من الواجب علينا ان نجنب الجامعة الوقوع في تلك الشرور والاضرار والدخول في نفق مظلم لا يعلم الا الله مدى خطورته وكيفية الخروج منهِ لذا من الأفضل ان تنتظر دِ نجمة رأي اللجنة الأكاديمية التي تنظر في هذا الموضوع، والتي نتمنى ان تكون محايدة وموضوعية، وتراعي مصلحة الجامعة والمجتمع والإنسان الكويتيِ وإذا شعرت بظلم أو تحيز في رأي اللجنة ضدها، فعليها ان تلجأ إلى لجان أخرى داخل الجامعة كلجنة التظلمِ فمن المعروف انها أنصفت الكثير، أو اللجوء إلى القضاء، ولكن يجب الابتعاد بهذا الموضوع عن الضجيج الإعلامي وجماعات الضغط حتى لا تفرض على الجامعة أمور تلحق بها ضررا كبيرا.
1/11/2004
|