الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
سقوط الليبراليين العرب في الخندق الأميركي | رجوع
'واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون'. 
تصور الآية الإنسان الذي منحه الله عقلا مستنيرا ليرتفع به الى مستوى الرسالة التي خلق من أجلها، الا انه استغله في طريق الشر جاريا يلهث وراء تحقيق مصالحه الشخصية، بأي وسيلة كانت بالحق والباطل بالغش والخيانة والنفاقِ كلما اصاب مكسبا زاد جشعه فجرى وراء تحقيق مكاسب أخرىِ شبهه بالكلب الذي لا يتوقف عن اللهاث، فهو يلهث في حالة الجوع والشبع والراحة والاعياءِ قد ينطبق هذا المثل في أحسن صوره على بعض الليبراليين العرب الذين يتلونون في كل عصرِ ليس لهم مبدأ يلتزمون به سوى مصالحهم الخاصةِ رأيناهم شبابا يهتفون للفكر القومي الناصري ومتحمسين للشيوعية والماركسيةِ وبعد سقوط الشيوعية وتراجع المد القومي وبزوغ النجم الاميركي، لم يجدوا حرجا من نزع الملابس القومية والشيوعية التي رأوا انها أصبحت بالية ولا تناسب ظروف العصر، وان البقاء فيها يكلف ثمنا باهظا ولا يحقق مكاسبِ لذلك خلعوها وارتدوا الزي الأميركي ليقفوا، ومعظمهم شيوخ علا الشيب رأسهم ووهن هيكلهم العظمى، مهللين ومطبلين للمحتل الأميركيِ وعلى الرغم من علمهم بخطورة المشروع الاميركي على أمن المنطقة فان حبهم لذاتهم اعماهم فتحولوا الى أبواق لترويج ذلك الفكر، ومحامين يدافعون عن الشيطان وجرائمه. 
ولعل من أسباب التحول الايديولوجي لهذه الجماعة، ظنهم ان تعاونهم مع المحتل سيساعدهم في الوصول الى السلطة والجاه والمالِ لاسيما ان وفودا منهم زاروا واشنطن قبل احتلال العراق، وعلموا ان السادة في واشنطن غير راضين عن أداء الأنظمة الحاكمة في المنطقة وانهم يسعون الى استبدالهاِ لذلك أرادوا ان يثبتوا لأسيادهم في واشنطن انهم خير بديل عن تلك الأنظمة، ومن الممكن ان تعتمد عليهم واشنطن لتنفيذ مخططاتهاِ ومنذ ذلك الحين وهذه الجماعة لا تتوقف عن مدح اميركا وتجميل صورتها وإخفاء أطماعها وأهدافها الشريرة وتبرير كل جرائمهاِ قال أحد الليبراليين العرب في ندوة في صرح اكاديمي عربي 'انه حزين لأن العرب رفضوا مشروع الاصلاح الأميركي، فأميركا لا تريد إلا الخير للمنطقة، تريد نشر الحرية والديموقراطية ومحاربة الأنظمة المستبدة والفاسدة'ِ واستغرب الثورة على ما حدث في سجن 'ابوغريب' واعتبره رحمة بالنسبة لما كان يحدث في عهد صدام وبعض أنظمة الحكم العربيةِ قال هذا الكلام بعد الجرائم والمجازر الوحشية التي ترتكبها أميركا وحليفتها اسرائيل في المنطقةِ ان مثل هذا الكلام الوقح لا تخجل هذه الجماعة من ترديده في الندوات والمقالاتِ اننا نسألهم هل يرضون ان يبول جندي قذر على وجوههم أو رؤوسهم؟ أو ان تغتصب نساؤهم، أو ان يأمرهم الشواذ من المجندين والمجندات بارتكاب جريمة الشذوذ؟ وسواء رضيتم أم لم ترضوا فإننا لن نتقبل رأيكم، لأن رأيكم ليس حجة لأي انسان عربي شريفِ فأنتم لستم أهلا لتكونوا مكان ثقة أو قدوة حسنة لهذه الأمة العظيمةِ فسؤالنا لكم مجرد استخفاف بآرائكمِ انكم رضيتم بأكبر من جريمة الاهانة والتعذيب، رضيتم بجريمة احتلال ارض العراق ارض العرب التاريخيةِ رضيتم ان يدنسها الصهاينة ووصفتم ذلك بالتحرير. 
انه لمن المحزن ان يستنكر الأحرار في كل دول العالم جرائم أميركا واسرائيل في المنطقة بينما يدافع عنها بعض العربِ يقول روبرت فيسك 'انه لا يستغرب العنصرية والوحشية التي عامل بها الجنود الأميركان والبريطانيون السجناء العراقيينِ لأنهم تربوا على الحقد والكراهية للعرب والمسلمين، هذه التربية هي التي جعلت أولئك الجنود يشعرون بالسعادة وهم يعذبون السجناء حتى الموت'ِ ويقول دين رجمان 'ان ما حدث في سجن 'ابوغريب' مشابه لما حدث في مدينة ماي لاي في فيتنامِ اننا نغرس في جنودنا القسوة والوحشية حتى يصبح قتل الأبرياء عندهم أمرا مألوفا'ِ ويروي عن القس اليسوعي جون دير، انه 'استيقظ صباحا في شهر نوفمبر الماضي على أصوات صرخات الحرب يرددها جنود في معسكر قريب من كنيسته في نيومكسيكوِ ظلوا أكثر من ساعة ينشدون أناشيد الحربِ ومن الكلمات التي كانوا يرددونها: اقتل، اقتل، اقتل، لوح بسلاحك من اليمين الى الشمال، اننا سنقتل هؤلاء القوم طوال الليل سنبيدهم عن بكرة أبيهمِ فهؤلاء الشباب قبل ارسالهم الى العراق يتعرضون لعملية غسل أدمغة لإعدادهم نفسيا وروحيا وعقليا ليصبح قتل الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال أمرا مألوفا وكأنهم يقتلون حشرات'. 
وينتقد المفكر الاميركي لويس لافام ادارة بوش والمحافظين الجدد المسيطرين على الحكم في اميركاِ ويعتقد ان الديموقراطية الأميركية في سبيلها الى الانهيار بسبب سياساتهمِ لأنهم لا يستمعون الا الى صوت مخططهم الايديولوجي، وهذا من شأنه ان يجعل اميركا تخضع لحكم مشابه للحكم الماركسي. 
وهكذا نجد آلاف المقالات والآراء يرددها الأحرار في كل مكان منددين بجرائم اميركا، في حين يدافع عملاؤها من العرب عن تلك الجرائمِ دفعهم حب الذات الى مستنقع الخيانة، فاشتروا رضا أميركا بخيانة أمتهم، وأصبح صوت الوطنيين الأحرار الذين يقاومون المحتل وينادون بالحرية يرهبهم مخافة ان يكشف زيفهم وأباطيلهمِ فأخذوا يديرون الدسائس والمكائد لقتل ذلك الصوت، فوصفوا مقاومة المحتل بالارهاب ظنا منهم بأنهم قادرون على تضليل هذه الأمة وجرها الى مستنقع الخيانة وتركيعها لشروط المحتلِ ولقد قدر لهذه الأمة وهي تمر في فترة حرجة من تاريخها ان يحارب بعض من ينتسب اليها في خندق الأعداءِ ففي حين تواجه أميركا شبح الهزيمة لسياساتها في المنطقة، يحاول هؤلاء العملاء وبعض أنظمة الحكم العربية ان يخفف عنها عبء الهزيمة لاشعارها بأن لها أصدقاء يمكن ان تعتمد عليهم لتشجيعها على مواصلة سياساتها المعادية للعرب والمسلمين، وتنفيذ مخططاتها الاجرامية في المنطقةِ فهذا باول وزير خارجية اليمين الأميركي يعلن في مؤتمر صحفي في عاصمة عربية (17/5) وبحضور أغلب وزراء الخارجية العرب، ان بلاده وقعت عقوبات على سوريا لزعمه انها ما زالت ترعى المنظمات الارهابية وتطور اسلحة الدمار الشامل ولم تضبط حدودها مع العراق، وان واشنطن ستفرض مزيدا من العقوبات على سورياِ ومن المخجل انه لم يجرؤ احد من الوزراء العرب المتواجدين في ذلك المؤتمر في الرد على ذلك التطاول على دولة عربية شقيقة لهم. 
وعلينا ان نعلم ان الامة العربية ليست الوحيدة التي تواجه مثل هذه المصائب والمحنِ ففي كثير من الامم وفي مختلف العصور تبرز جماعات خائنة ومجرمة تمكر بالقيادات الوطنية وزعماء الاصلاحِ ويؤكد التاريخ ان النصر غالبا ما يكون حليفا للوطنيين والمصلحينِ والآن بعد ان اصبح واضحا ان القوة المسيطرة على اميركا لم تكتف بما تمتلك من ثروات ضخمة، بل دفعها جشعها الى التخطيط في السيطرة على العالم لاحتكار الاسواق والتحكم في التجارة العالميةِ وقد رسموا استراتيجيتهم منذ سنوات بأن تكون ارض العرب والمسلمين نقطة انطلاقهم لتكوين امبراطوريتهم التي يحلمون بها، فقرروا السيطرة عليها للاستفادة من ثرواتها وموقعها الاستراتيجيِ فتحت شعار الحرب على الارهاب ونشر الديموقراطية وغيرها من الشعارات الكاذبة شنوا حربهم العدوانية على المنطقة بادئين باحتلال افغانستان ثم العراق ومتعاونين مع السفاح شارون، ثم وقعوا عقوبات على سوريا تمهيدا للعدوان عليهاِ انها تحشد الجيوش وترصد المبالغ الضخمة وتجند العملاء لانجاح مخططها الاجراميِ وانها لن تتراجع عن تلك الاستراتيجية الا اذا شعرت ان وجودها سيسبب لها كارثة ضخمةِ اننا كعرب ومسلمين نحب ان نعيش بسلام ولا نرغب بالحرب، ولكن اذا فرضت علينا فليس امامنا خيار سوى مواجهتها دفاعا عن ديننا وشرفنا وكرامتناِ لقد عودتنا هذه الارض الطيبة وشعبها النبيل انها لا ترضى بالذل والعبودية، وانها تتحول دائما الى مقبرة للغزاةِ لذلك نأمل ان تتحول تلك الحشود والامكانات الضخمة التي جندتها اميركا لشن عدوانها علينا الى وبال على تلك الدولة الشريرة التي ظلت طوال تاريخها تشن حروبا عدوانية توسعية ضد الشعوب الضعيفة ارضاء لاشباع اطماع وجشع القوة المسيطرة فيها.


5/29/2004
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com