للاعلام دور مهم في بناء العقول وتكوين الفكر وتوجهات الشعوب والامم، فاذا سيطر على مؤسساته جماعة فاضلة وجهته لنشر الفضيلة وتوعية الامة بمصالحها والحفاظ على سيادتهاِ اما اذا احتكره اصحاب المصالح الخاصة فسيوجهونه لخدمة مصالحهم ويتجاهلون آمال الشعوبِ وسيزداد الامر خطورة عندما ترتبط مصالح المسيطرين على الاعلام بمصالح اعداء الامةِ عندئذ سيصبح ذلك الاعلام اداة لتسميم عقول الشعوب وتضليل تفكيرها، وتوجيهها الى كراهية من يجب ان تحب وحب من يكرهها وجاء لتدمير امنها ومعتقداتها وسلب ارادتها وكرامتها، هذا ما حدث لبعض اجهزة الاعلام العربي التي تحولت الى ابواق تؤيد تأييدا اعمى العدوان الاميركي، بينما ينظر العالم باسره الى تلك الحرب على انها غير اخلاقية وخارجة عن الشرعية الدولية، في حين يشيد ذلك الاعلام بالاستعدادات الاميركية الضخمة ويبتهج وهو يرى الاسلحة الفتاكة تقتل الابرياء وتدمر المنشآت العسكرية والمدنية، ويبتهج لسقوط العراق تحت الاحتلال الاميركي البريطاني. من العار ان يتحول اعلام عربي الى اداة لترويج الفكر الذي يتنباه الفكر اليميني الاميركي المتطرف، فيؤمن بتفوق الثقافة الاميركية ورسالتها الحضارية، ويؤكد على اهميتها للشعوب العربية، لهذا يصف العدوان الاميركي بانه عمل نبيل وان احتلال العراق حرب تحرير، مدعيا ان اميركا جاءت لانقاذ المنطقة من انظمة الحكم الاستبدادية ومن ثقافتها المتخلفة، لذا يعتبرون تحرير العراق مقدمة لتحديث المنظومة العربية، زاعمين بان المحتلين سيقيمون نظاما ديموقراطيا واجتماعيا يراعي حقوق الطوائف والاقليات وسيلهم المنطقة العربية، لانه سيشجع الطوائف الاخرى في السعودية ومصر وسوريا على التحرك والثورة ضد حكامها، ومن ثم تأتي اميركا لنجدتها،وسيؤدي ذلك الى تحديث المنظومة العربية بأسرها. وهكذا يدافع ذلك الاعلام عن مقولات وافكار لا تستند الى اي اساس علمي او اخلاقي، بل هي اقرب الى الخيال والجنون، فالديموقراطية لا تأتي عن طريق جيوش الاحتلال، وتاريخ اميركا الدموي والمعادي للعرب والمسلمين والمنحاز انحيازا اعمى لاسرائىل يؤكد على انها لم تأت ولن تأتي لمساعدة الشعوب العربية وان الشعوب العربية تمتلك من الثقافة والحضارة ما يمكنها من بناء نظامها الثقافي والاجتماعي والسياسي وتطويره دون حاجة الى جيوش الاحتلال،وان العالم يعرف ان هناك منظمات اقليمية ودولية من الممكن الاستعانة بها في عملية التطوير، وان الدول العربية على استعداد واتصال دائم بتلك المنظمات لتساهم في تطوير مؤسساتها لا الى جيوش الغزو التي جاءت لتمطر القنابل وتسفك الدماء، وعلاوة على ذلك كله ان المجتمعات البشرية بتركيباتها الاجتماعية والديموغرافية المعقدة لا يمكن تشبيهها باي حال بالآلة الصناعية التكنولوجية يمكن تشغيلها عن طريق الازرة، بحيث تضغط على زر فتأتيك الديموقراطية وعلى اخر فياتيك التطور الثقافي، بل ان تطور المجتمع البشري عملية معقدة تحتاج الى عوامل ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية لتساهم في حدوث التغير المنشود، ويجب ان تكون جميع تلك العوامل وطنية نابعة عن فكر الامة وحاجتها الى التغير، ومعبرة عن ضميرها وتقدس معتقداتها وتاريخها. ومن هنا يتضح لنا زيف مبررات الغزو او اعطاء شرعية للاحتلال والتي روج لها الغزاة وتبناها ذلك الاعلام العربي ودافع عنها، وتعمد ذلك الاعلام ان يخفي اطماع الغزاة في الاستيلاء على ثروات الامة ونهبهاِفي حين اكدت تصرفات الغزاة ذلك، فقبل احتلال العراق ظهرت تصريحات من الادارة الاميركية تفيد انه بعد احتلال العراق ستحتفظ تلك الادارة بنفط العراق امانة للشعب العراقي، وستقتطع منه 40 مليار دولار لتغطية تكاليف تلك الحرب، كما ابرمت عقودا بمئات الملايين مع شركات اميركية لاعمار العراق، مثل: شركة بيكتال وهالبرتون التي كان يرأسها ديك تشيني حتى عام 2000، وتواجد اصحاب تلك الشركات في المنطقة قبل نشوب الحرب استعدادا لتنفيذ تلك العقود، وستدفع لهم الاموال من عائدات النفط العراقي، وفجر توقيع تلك العقود صراعا في الكونغرس الاميركي، حيث احتج زعيم الديموقراطيين على شروط تلك العقود، كما اثار توقيع تلك العقود من جانب آخر خلافا بين اميركا والحليف البريطاني الذي رأى ان اميركا تجاهلت دوره في اعمار العراق، ومن الطبيعي اننا لن نعول خيرا كعرب على تلك الخلافات، لاننا لن نجني منها خيرا، لانها خلافات بين اصحاب مصالح نعتقد انهم سرعان ما يسوون تلك الخلافات فيما بينهم لتحقيق مصالحهم المشتركة، ولكنها تكشف لنا بوضوح اطماع الغزاة في نهب الثروة، فغدوا يتصرفون وكأنهم اصبحوا اولياء امر العراق من حقهم ان يتصرفوا بثرواته كيفما شاءوا دون حاجة الى اخذ اذن من اي حكومة عراقية تشكل في المستقبل حتى لو كانت عميلة لهم، بل كل ما تطلبه الادارة الاميركية سيكون بمثابة اوامر واملاءات يجب طاعتها وتنفيذها. كما يخفي ذلك الاعلام دور اسرائىل في تأجيج تلك الحرب، فلم تكن تلك الحرب مطلبا اميركيا بحتا، بل كانت تتويجا للشراكة الاميركية الاسرائيلية، فمعظم الاسباب والضغوط لاشعالها جاءت من الصهاينة الاميركيين ومعظمهم من اليهود المتحالفين مع الليكودِ ورسمت الخطة في عهد نتانياهو وقدمت في اواخر عهد كلينتون، ولكنه لم ينفذها، ولكن بعد ان احتل اصحاب الخطة مواقع متنفذة في الادارة الحالية تمكنوا من تنفيذها، وتتجلى مصالح اسرائيل في تلك الحرب، انه بعد احتلال العراق وتدمير قواه العسكرية ستقوم تلك الجيوش تحت ذرائع نشر الديموقراطية والتخلص من انظمة الحكم لاستبدادية باحتلال الدول العربية والاسلامية الكبيرة مثل سوريا وايران ومصر والسعودية، لاضعافها وتمزيقها الى دول صغيرة رخوة تقوم على اساس عرقي مسلوبة الارادة والسيادة. وهكذا تلتقي المصالح الاميركية والاسرائىلية في تلك الحرب، فاستراتيجيتهما متفقة في تمزيق المنطقة لتتمكن اميركا من السيطرة عليها ونهب ثرواتها والانطلاق منها للهيمنة على العالم، ومن جهة اخرى لتمكين اسرائيل من اقامة دولتها الكبرى لتصبح لها القيادة في منطقة الشرق الاوسط، ولتأكيد تنفيذ هذا المخطط، ما ان تم احتلال العراق حتى بدأت التهديدات الاميركية لسوريا. فهذا الاعلام الذي لم يخجل من تبني الفكر الصهيوني، وتعمد ان يغش امته ويضللها ويخفي عنها اخطار ذلك الغزو، انما كان يهدف الى خلق شعب عربي ضعيف، مريض في عقله ونفسيته، ينسى اصوله وجذوره وينسلخ من امته وعقيدته ويحتقر ثقافته ودينه، ويمجد اميركا ويعظمها وينظر اليها وكأنها اله يجب ان يعبد او قضاء وقدر لا تقهر ارادتها، وبهذا العمل ينحدر ذلك الاعلام الى درجة من السفالة يندر ان يصل اليها البشر، ولقد صدق الله الذي قال 'لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم' فهذا الانسان الذي خلقه الله في احسن صورة وفضله على سائر خلقه وامر الملائكة ليسجدوا تعظيما لهذا المخلوق، الذي سيكون خليفة له في هذا الكوكب، حاملا رسالة الله الدينية والخلقية ليضيء فيها الكون، الا ان هذا المخلوق قد ينحدر في تصرفاته وسلوكه الى درجة من السفالة والنذالة قد لا تصل اليها احقر المخلوقات، وهكذا نرى تلك الدرجة مجسدة في ذلك الاعلام ورسالته التي يريد ان ينشرها بين ابناء امتهِ لانه يبيع فكرا صهيونيا حقيرا وينشره بين مواطنيه وابناء امته، ارضاء لأسياده، ولينزع من ابناء امته ايمانهم بوطنيتهم ومبادئهم ومعتقداتهم واخلاصهم لعروبتهم ودينهم' 'ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين'.
4/20/2003
|